يتدافع شيعة أمير المؤمنين “سلام الله عليه” طواعية نحو مجالس أبي عبد الله الحسين “عليه السلام”، ويتسابقون إلى الحضور صغيرًا وكبيرًا، نساءً ورجالًا، شيبًا وشبابًا.
وينزعون عنهم كل ملذات الحياة، وزخارف الدنيا، ويتوقفون عن أنشطتهم العامة ومصالحهم الخاصة ما خلا الضروريات والرسميات منها، ويقفلون مجالسهم ودورهم، ويزهدونَ في مأكلهم ومشربهم، ولا تراهم سوى حزينين باكين، قد نذروا طواعيةً الوقت والمكان والمشاعر والأحاسيس للحسين وآل الحسين عليهم السلام ودون دفع من أحد ولا ترغيب من مصلحة.
ترى ما الذي يدفعهم لذلك؟ ما السر في هذا الارتباط المتأصل والذي وصل لدرجة الوجوب وكأنه تكليف إلهي؟ ما هذا السحر الذي يجلب كل شرائح المجتمع بتعدد طبقاتهم واختلاف سلوكهم والتزامهم الديني والدنيوي.
لا أظن أنا العبد الفقير أن ذلك سلوكٌ عفويٌ، أو أنه يأتي في لحظات حماس وعاطفة جارفة، وكيف يكون ذلك والأمر يُجهز له من الأساس، ويُخطط لمناسبتهِ من قبل، ويُبذل من أجله ما لا يخطر على قلب بشر.
إن هذا الارتباط لابد أن يكون ارتباطًا فطريًا وتكوينيًا له أصيلًا، وبتدبير غيبي، وتفضلٍ سماوي.
علينا فقط أن نعاين من نراه من هؤلاء البشر على اختلافهم، فلربما رأينا المؤمن والفاسق والمسلم والكافر والأصيل والوضيع والصغير والكبير وحتى العاقل والمجنون، ولا عجب وقد قرأنا وسمعنا عن المسيحي يقاتل مع أبي الأحرار، وعمن يأخذ من الحسين إيحاء الانتصار، ومن يكتب فيه وفي أبيه “عليهما السلام” المقالات والأشعار من قِبل من لم يدخل الإسلام في الأصل.
هذا التمازج لابد أن يكون له أصل من بداية الخليقة، وأن الحسين “عليه السلام” ليس وليد يومه، ولكنه امتداد لحبلٍ كان أصله من عالم اللاوجود، وحتى آدم عليه السلام وختامًا بجده الخاتم صلى الله عليه وآله، وهو باقٍ يتأصل بقاءً وامتدادًا وانتشارًا في شخص حجة الله على الخلق “عليه السلام”.
هذا الإمام الوسيلة إلى الله، وخليفته في أرضه والمتصرف بأمره عز وجل، وهو واسطة الفضل والفيوضات، والذي يتلألأ فتضيء به الأكوان، وتحفظ به الشريعة والخلائق، ويتمسك به المؤمنون على اختلاف أديانهم ليكون المخلص والمنقذ والفرج للسلام والعدالة والاستقرار.
إن طقوس الشيعة هذه ما هي سوى تأصيل لأصالة ما توارثوه، وتثبيت ما جبلوا عليه، وهو ما تختلج عليه الأحاسيس ويتفاعل معه الوجدان من الأساس، فلا غرو أن تستمر المسيرة وتتشعب اطرادًا، سواء شياعًا عالميًا، أو ازديادًا بشريًا، وما ذلك سوى بصيص ضوء قادم من الـمـنِّ والفضل الإلهي القادم والذي وعد الله به عباده المستضعفين المخلصين ليجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين.