لماذا لا يُعوَض الراحلون عنا؟

لماذا لا نستطيع تعويض من يرحلون عنا؟ الكثير منا يطرح هذا السؤال عندما يرحل عنا كل صاحب يد بيضاء في خدمة مجتمعه، وبالأخص رجل الدين، مع كل الاحترام والتقدير للأجيال الجديدة، فكل له طموحاته وعطاؤه المتميز.

إن مسألة استمرار الأجيال من طالبي العلم في تطوير قدراتهم والاستفادة ممن سبقهم ينبغي أن نفكر فيها ونوليها ما تستحق من العناية والتطوير، وفِي هذا السياق لا بد لنا من إثارة موضوع الذهنية الفردية وحب الذات والخوف من الاستحواذ على مركزنا الذي هيمن على مخيلتنا وأفكارنا، وكلٌ يريد التميز في مجاله عمن سواه، بالرغم من أن العمل عادة ما يكون جماعيًا، وتطوير مشاريعنا الجماعية لا يلغي الذاتية أو الفردية فينا.

مَن منا يستطيع أن يعوض الفراغ الذي تركه خطباء المنبر الحسيني؟ أمثال المرحوم الحاج الخطيب ملا خليل أبو زيد، والحاج الخطيب ملا عبد الرسول البصارة، والحاج ملا علي الطويل، والحاج السيد محمد المير (أبو سيد ياسين) وغيرهم من الخطباء عند رحيلهم عنا، هم غادرونا دون رجعة وتركوا لنا فراغًا لا يعوض في الخطابة، هؤلاء رحمة الله عليهم ساهموا في خلق بيئة دينية تجتمع كل يوم في أحد المساجد أو في مجالسهم الخاصة يتعلم الناس فيها المسائل والأحكام الشرعية وغيرها.

مَن منا يستطيع أن يعوض الفراغ الذي تركه الرجال الوجهاء في بلادنا يرحمهم الله؟ أمثال الحاج محمد تقي آل سيف الذي قدم الكثير من الخدمات لبلدته جزيرة تاروت، والحاج عبد العظيم أبو السعود في القطيف، والحاج عبد الغني السنان في القطيف، والحاج السيد حسن العوامي (أبو زكي) في القطيف، والحاج عبد الله نصر الله في القطيف، والحاج عبد الله المطرود في سيهات، والحاج علي بن أحمد السيهاتي في سيهات وغيرهم من الوجهاء، هؤلاء رحمة الله عليهم قدموا الكثير من الخدمات لبلدهم وخلقوا بيئة اجتماعية ثقافية تجتمع كل يوم في مجالسهم الخاصة.

إن رحيل عالم الدين الذي يملك خزانة علمية في المعرفة الدينية أو رحيل الرجل المثقف الذي يملك خزانة ثقافيّة في العلم والمعرفة، يعني احتراق مكتبة كاملة تحوي مجلدات من الفكر والمعرفة، تمتد لعصور طويلة إن لم يكن هناك اهتمام بإرثهم العلمي والثقافي، ففي بعض الدول عندما تزور مكتبًا لأحد الرموز الدينية أو الثقافية تجده متحفًا حقيقيًا، حيث بالإمكان معاينة المكتب الذي كان يكتب عليه ذلك الرجل، وملابسه، ومخطوطاته وغيرها، وعندما نفكر أن نزور مكانًا لعالم دين أو مثقف قد رحل عنا نجد الإهمال وسوء العناية فيما كانوا يملكونه!

في البلدان الغربية -التي لا تزال حكوماتها تهاجمنا بالغزو الثقافي والفكري- لا تعني الحداثة كما نتمثلها هي إقصاء القديم من الحياة، وإننا نربط الحداثة بالحياة من دون تصور للزمن، فشوارعهم وساحاتهم العمومية تملؤها ذكرى أمواتهم، وشوارعنا تملؤها أرقام لا معنى لها وأسماء لأحيائنا لا نعرف من أين جيء بها، ولوحات إعلانية عشوائية تزيد المكان تشوهًا فوق تشوه تخطيطه!

خلاصة القول: إنما هي سنة الحياة، يطوي الأموات النسيان فيغادرون على عجل ذاكرتنا المزدحمة بالأحياء، المشغولة بالحاضر والشاخص، وما يدور في هذه الحياة من خير أو شر والشاخص أمام الأعين من الأشياء، لذلك يجب على كل الرموز الدينية والثقافية أن يهيئوا من ينوب عنهم قبل أن يغادرونا ليستمر العطاء، وأن لا يكون هناك فراغ دون تعويض بعد رحيلهم.


error: المحتوي محمي