من فوائدِ الإرتقاء في سُلَّمِ العمرِ ألاَّ يعاقبكَ الناسُ كثيراً فيما تقول فمن “العادي” أن يعتقدوا أنك خارجٌ عن منظومةِ الحداثةِ والمعرفة ولا يأخذونَ ما تقول بشيءٍ من الجد أو يجلونَ عمركَ عن العقاب. أنا في العادةِ أكتبُ عن الدنيا والحب والسعادة وبعض القيم والذكرى لكنني أخالف سجيتي وأكتبُ لك عن كلمة “عادي” التي قضيتُ جل عمري ولم تغب عن سمعي يوماً واحداً. وأنت تقرأ هذه الأسطر التي ربما رأيتها عاديةً لكنها قد تجلب لك البسمةَ في عتمةِ الحزنِ اللاعادي الذي نجلبه نحنُ البشرُ لأنفسنا.
نولد أفراداً عاديينَ في أغلبِ بقاعِ الدنيا ولكننا نبدأ في التسامي والتمايز بعد أن ننضمَ إلى منظومةِ المجتمعِ التي تقول لنا ليسَ من المسموحِ لك أن تكون شخصاً عادياً وتأخذكَ قوةُ المجتمعِ الطاردة نحو الأعلى أما حيث نحن فمن الطبيعي بل العادي أن يحثكَ المجتمعُ على هجرِ قيمِ التمايز ويطالبكَ أن تنضمَّ إلى قيمهِ العادية! لا تبرمْ ولا تعجلْ إن قرأتَ كلمة “عادي” مراراً في السطرِ الواحد وسوف أعطيكَ بعضَ تجاربِ العمرِ في الهربِ من العادي.
تنتظر ذاكَ الذي اخترتهُ لعملٍ ما أنت بحاجةٍ لإنجازهِ وهو بحاجةٍ لبيعِ السلعةِ أو الخدمة وتضرب معه موعداً. تنتظرهُ ويأتي متأخراً عما تعتبره عادي، إن جاء أصلاً. تعاتبه ويأتيك الرد “عادي” لما أنتَ مستاء؟ كلها ساعة من الزمان ولم يمت أحد! تصر على أنك مستاء و يعاقبك برفضِ العملِ أو أداءهِ على غيرِ ما تحب.
تراه في تقاطعِ الطريق ولك أولويةُ المرور، ينظر إليكَ بعد أن خالفَ القانون وانتهى بحادثٍ ويقول “عادي” لم يحدث إلا كل خير! حتى لا أبرمكَ بكثيرِ الأمثلة، هل تذكر ذاكَ الذي أقرضته مالاً ولم يعده في الموعد أو ذاك الذي نصحته ألا يتهور في القيادة أو ذاكَ الذي يبيع السلعةَ بأرباحٍ مضاعفة أو ذاك الذي يبيع الغذاء دونَ مراعاةِ النظافة وجاءك الردُّ بأنَّ الأمر عادي؟
أممٌ ومجتمعاتٌ تبقى عاديةً مدى الدهر إذا هي لم تحذف من قاموسها اليومي كلمةً أو فعلاً عادياً ولم تطلب التمايزَ والإرتقاء. من العادي أن تحب ومن الطبيعي أن تبتسم ومن الطبيعي أن تعيشَ مباهج الحياة ومن الطبيعي أن تنتظرَ الربيعَ ومن العادي أن تنتظرَ محبوبتك ولو طالَ الإنتظارُ دهراً ولكن ليس انتظار من يدفعكَ إلى تركِ القيم.
أنا وأنت ليس لدينا بحر من العمر أو كنزاً من الذهبِ ننفق منه كيف نشاء، علينا ألاَّ نبقى حبيسينَ لعاداتِ المجتمعِ التي سخر منها الزمن. كُلُّ المآذنِ والجوامع تدعونا أن نسألَ أينَ هي الحياة؟ أين هو المستقبل الذي نحترم فيه ذاتنا وغيرنا وأعمارنا التي هي ساعاتٌ وأيام؟
ربما أنت واقفٌ على جبلِ القيم حينها لكَ أن تدوسَ هذه الكلمات بقدميك “عادي” وإن كنتَ تسكن واديَ عدم الإلتزام فهلا دعوتكَ أن ترتقي منه وتنظر إلى رياضِ وربى حبِّ الذات وحبِّ الغير! هذه الكلمات التي إن بحثتَ عنها في القاموس تجها تعني “بسيط، مألوف، معهود، غير متجاوز مستوى عامّة النَّاس”. هل هذا ما تستحق!