الحميدي والشبركة: النقد الأدبي في القطيف يغيب امتدادًا لبُعد صُناعه

يغيب النقد الأدبي عن الإنتاج الأدبي المكتوب بأنواعه الروائي والقصة والشعر في القطيف، إلا ما ندر منها، مع وجوده الخصب كمًا ونوعًا، حيث لا يكاد يمر شهر إلا وقد صدر كتاب يثري القراء في الجانب الأدبي.

ويظهر هذا الغياب على الساحة بحالة من عزوف النقاد والكُتاب الذين لهم خبرة وتجارب في الكتابة، وكذلك الأدباء والمثقفون، ويلاحظ المتتبع لهذا الإنتاج الخصب أن الكاتب يتهم بضعف تجربته التي لا تجد المعيل والراعي لها، وتقابل تهميشًا وجلدًا، من المحيطين، ما يجعل المراقب في تساؤل؛ هل لدينا أزمة كاتب أو كتاب أو يا ترى عدم اعتراف بالمثقف؟.

وضمن هذا السياق، أجاب بعض النقاد والكُتاب والمهتمين بالأدب في القطيف، عن بعض التساؤلات المطروحة على الساحة، وهي؛ ما مستوى النقد الأدبي في القطيف؟ وهل عندنا نقد؟ وما دور النقد الأدبي في تطور الحركة الأدبية والكتابات الأدبية والعامة؟ وما هي الأطر المتبعة في النقد التي لا يجيدها الناقد في القطيف؟

على ضوء ذلك، عرَّف الكاتب والناقد محمد الحميدي النقد بأنه علم مثل غيره من العلوم يحصل عليه الإنسان بالدربة والممارسة والاطلاع، وزيادة الثقافة، والحوار والمناقشة، ويُثرى بواسطة التفكير في دقائق الأمور، مركزًا في تعريفه على الجانب الأدبي بأن التعريف الكلاسيكي التقليدي المتمثل في التمييز بين الجيد والرديء يبدو هو الطاغي على فكر الإنسان، ولم ينكر أن النقد اشتغال على النصوص وتحليلها وتفكيكها رغبة في الوصول إلى أعماقها، ويتوسل لأجل ذلك بالكثير من الأدوات التي من أبرزها: النحو والبلاغة والصوتيات والمعجم، إضافة إلى المنهجية التي نرى وجوب اتباعها في أي ممارسة.

وقدم “الحميدي” نظرة تحليلية لطبيعة النقد الموجود في القطيف، صنفه إلى ثلاثة أقسام؛ الأول الجانب الانطباعي حيث الاكتفاء بكلمات مثل: جميل، ورائع، وأبدعت، وهذا بيت القصيدة، وصورة غير مسبوقة، وهذا النوع من النقد يمارسه الجميع بلا استثناء، ويمكن أن نعده الأساس للنوع الثاني.

وذكر أن الجانب الثاني هو الجمالي الفني، حيث يأخذ الناقد (الذي يكون في الغالب مبدعًا ينتمي إلى نفس النوع الذي يمارس عليه النقد) في بيان الجماليات والفنيات التي احتواها النص، كما يمكن أن يتحدث عن بعض الاستعمالات الخاطئة أو التي يراها لا تتناسب مع النص موضع الحديث، وهذا النوع يقع بين منطقتين، منطقة الطبع الأولى والقراءة السريعة التأثرية مثلما هي في الجانب الأول، وبين منطقة المنهجية.

وأضاف: “الجانب الثالث هو المنهجي، إذ يأخذ الناقد في الصيرورة إلى الاحتراف والدقة في تقديم القراءة النقدية، وغالبًا هذا النوع لا يمارس الكتابة الإبداعية بسبب أن الاشتراطات التي يضعها في ذهنه تجبره على الابتعاد عن الكتابة في نفس مجال النصوص المنقودة، وهنا يكون للقراءة هدف تسعى إليه وطريق تسلكه يتمثل في مجموعة من الخطوات، تبدأ من القراءة الأولى إلى جمع الشواهد على قاعدة من القواعد، ثم تطبيق القاعدة على الشواهد التي تم جمعها، وبعدها الخلوص إلى نتيجة يجيب بها عن السؤال الافتتاحي الذي دار في ذهنه”.

ونوه “الحميدي” بأنه على الممارس لهذا النوع من النقد أن يكون كثير الاطلاع واسع المعرفة ذا خيال خصب يساعده في الوصول إلى معنى العبارة التي يقرأها أو التي يخضعها للتحليل، مع معرفته بالمناهج النقدية القديمة منها والحديثة، وكذلك بالنظريات الأدبية التي تحتوي الإنتاج الأدبي.

وخرج بنتيجة عبر هذه النظرة السريعة للجوانب الثلاثة الانطباعي والجمالي والمنهجي، تفرز لنا نوعًا من النسبية في وجود النقد داخل المنطقة، إن مسألة عدم وجود النقد أو مسألة وجوده تظل مرتبطة بنوعية الأشخاص الذين يمارسونه، بعضهم يعمل على تقديم نقد عالي المستوى، وبعضهم يكتفي بإبداء الرأي أو التصفيق، وجميع هؤلاء يجوز تسميتهم نقادًا، فالنقد لا يختص بجانب من الجوانب دون آخر.

وشدد على ضرورة البحث عن الفائدة المرجوة من النقد بعمل بعض التحديد، والتحدث عن نوع مفيد لتطور الأدب نفسه، وفتح الآفاق أمامه، وإمداده بما يحتاج من أفكار ورؤى ومصطلحات، وهذا لا يتوفر في النوعين الأول والثاني، بل يتوفر في النوع الثالث حصرًا، وهو ما نتخذه معيارًا لوجود النقد أو عدم وجوده في منطقة ما، ولهذا نتوهم أن المنطقة خالية من النقاد بينما العكس هو الصحيح، فالمنطقة تزدحم بالنقاد ولكن النقد المفيد قليل.

وكشف “الحميدي” عن فراغ كبير يقع بين النظرية الأدبية والنقد المنهجي وبين الكتابات الإبداعية داخل المنطقة، والقطيف خصوصًا، ويتبدى ذلك في الظهور القوي للقصيدة وبدرجة أقل للقصة والرواية، أما بالنسبة للنقد فالغالب سنجده خارج الاهتمام وبعيدًا عن الظهور، مرجعًا ذلك لعدة أسباب أولها؛ النظرة الدونية إلى أدب المنطقة رغم الجوائز التي تحققت، والقدرة المنهجية المنخفضة، وسهولة التطبيق على النصوص الخارجية أكثر من النصوص المحلية، وأخيرًا الانكفاء ناحية الذات وعدم النظر إلى تجارب الآخرين.

من جانبه، اعتبر الناقد السيد محسن الشبركة أن غياب النقد هو ظاهرة على مستوى العالم العربي ولا تختص بمنطقتنا وحدها، كما أنه يتعلق بغياب حضور العمل النقدي وتأثيره لا غياب الناقد، مشيرًا إلى أنه في الثلاثين سنة الأخيرة النقاد البارزون على مستوى العالم العربي ينحصر عددهم في أصابع اليد الواحدة وبالكاد تتعداها إلى اليد الثانية.

وعزا “الشبركة” هذه الظاهرة في – رأيه – إلى عدة أسباب منها؛ أن النقد نفسه عدل من وظيفته، فبدلًا من أن يكون بمثابة ميزان الذهب المميز والجيد من الرديء، أصبح بمثابة قراءة موازية للنص وعملًا إبداعيًا فكريًا مستقلًا، له أدواته المعرفية والفكرية وخلفياته الفلسفية، ومن ثم لا يستهدف الإشادة بالعمل أو نقده، وبهذا تغيرت وظيفة قارئ العمل النقدي نفسه، فهو يقرأ نصًا جديدًا بموازاة النص الشعري، مبينًا أن النص مرهق يتطلب معرفة وثقافة ووقتًا لم يعتد القارئ العربي على بذله، وهو ما ساعد في تشكيل قطيعة بين العمل النقدي والقارئ العربي المتعجل.

وقال: “أصبح على الناقد أن يمتلك إطارًا فكريًا واسعًا وأدوات معرفية كثيرة، علاوة على أن الخلفية الفكرية للأسس النظرية لعمله متشعبة وعميقة، وبدون هذا العمق لن يستطيع أن يضع يده على ما يتم تداوله في الحقل النقدي، وهذا صعّب من صناعة الناقد وعمله”.

وأشار إلى التغيرات المتسارعة في لغة وشكل النص وبنيته وجمالياته، إذ أصبح هناك سيل من المدارس النصية المتشعبة التي تتوالد بسرعة وتتعايش إلى جنب بعضها في فترات وجيزة مما صعب مهمة الناقد، خاصة في أن ينتج معرفة توازي هذا التنوع، مقارنًا بين النص الذي يكون سريع التغير والتبدل والتشكل، بينما أدوات النقد بطيئة التطور، وابتلي هذا التغيير في بنية النص غالبًا بضعف البنية الفكرية والفلسفية المؤسسة له، فهو تسارع في التجريب عادة أقرب منه لأن يكون فلسفة تؤدي إلى شكل معين من الأداء اللغوي والنصي.


error: المحتوي محمي