أهمية المنبر الحسيني وقيمته ومكانته الرائدة تكمن في تخليده للملحمة البطولية الحسينية الخالدة في كربلاء، فواقعة الطف الخالدة ليست مجرد معركة وقتال وقع بين معسكرين انتصر أحدهما ماديًا، بل هي ملحمة وفرقان سيبقى أثرها مدى الزمان لا يمكن نسيانها أو إهمالها أو تلاشي ذكرها، بل هذا الواقع يشاهده المنصفون بما يشير إلى ألق متصاعد في كل عام يثبت حضور ملحمة كربلاء في الوجدان.
هذه الواقعة الخالدة تستحق كل التأمل والتحليل والخروج من قراءتها بتمعن ووعي بالكثير من الدروس والعبر، فقد حوت بين جنبيها تلك المضامين العالية التي خلدها التاريخ بأحرف ذهبية استلهمها من السبط الشهيد وأنصاره، ممن عاهدوا الله تعالى وصدقوا في مواقفهم وتمسكهم بالحق وأهله، وفي الضفة الأخرى فإن حزب الشيطان قد لطخوا جبين التاريخ بسواد ما ارتكبوه من أفعال لا تمت للإنسانية بصلة.
تتجدد الذكرى لهذه الواقعة الأليمة وقد استعد الأحرار لإحيائها، وهذا الاستعداد فكري ينهل منه المستمعون دروس وثقافة عاشوراء، المتجلية في تلك الأهداف والقيم التي أحيتها كربلاء مما ينمي جوانب الكمال الأخلاقي، فتلك المفاهيم تزرع في النفوس الإباء والعزة والتضحية والعمل الجاد في خضم الصعاب وتقديم التضحيات لأجل القيم.
كما أن الحضور الحسيني في زماننا من مهام المنبر الحسيني الذي يسلط الضوء على واقعنا في جميع أبعاده، فصحيح أن المنبر ليس بشاشة عرض إعلامية محضة أو ثقافية، ولكن هذا لا يعني أن نغفل جانب القراءة الواعية بمنظور حسيني لقضايانا والظواهر السلبية والأفكار الإيجابية التنموية، فالمفاهيم القرآنية والأحاديث الشريفة لها حضور في جانب المحاضرات الحسينية، مع الإشارة لتطبيقات لها من واقعنا المعاصر، بالطبع دون إضمار أو تسليط ضعيف لواقعة الطف من جانبها الوجداني الحزين.
قراءة التاريخ وسيرة الأمم السابقة واستحضار مقاطع ومشاهد منها له من الفوائد والعبر الشيء الكثير، مما يرسخ تلك السنن الإلهية والكونية فالتذكير بها يجدد الثقة بالنفس والأمل بالله تعالى في الظروف القاهرة، والإشارة للأخطاء البشرية تحذير من الوقوع فيها مجددًا، فإسقاط تلك المواقف السابقة على واقعنا ينير الفكر بتحليل العهد الماضي وفهمه، ويوجه الطاقات الشبابية الفاعلة في مسيرة الجهود الإصلاحية والتنموية في المجتمع.
والخطاب العاشورائي المؤثر والفعال ينسجم مع الثقافة المجتمعية والطرح الفكري اللامع، فبالتأكيد أن المحاضرات الرتيبة والتقليدية المحضة لا تتناسب مع ما توصل إليه المستوى الثقافي المتقدم والأسلوب الإعلامي اللامع، والذي يهتم بتقديم الفكرة بأفضل الأساليب، فالمنبر الحسيني أضحى اليوم منارة معرفية شامخة ينبغي أن يرتقي الخطاب والخطيب فيها لهذا المستوى العالي.