ينحسرُ فصلُ الصيفِ في شهرِ أيلول رويداً رويداً وكأنه لا يريدُ الرحيل. في فصلِ الخريفِ ترتخي قبضةُ القيظِ بعيداً عن أشعةِ الشمسِ وطولِ النهار. تتجدد فصولُ السنةِ كُلَّ اثني عشرَ شهراً وتتغير كُلُّ دوراتِ الحياة، الصيفُ ثم الخريفُ ثم الشتاءُ والربيعْ، حتى فصولُ العمر تتجدد! لن نستطيعَ ان نوقفَ الريحَ أن تهب أو الشمسَ والارضَ أن تنتجا الفصول وما فيها من الحرِّ والشتاءِ والاعتدال لكننا نحتال أن نجعلَ كُلَّ العمرِ ربيعاً ما استطعنا. سوفَ لن يسمحَ القدرُ بكل ما نتمنى وعلينا أن نأخذَ منه ونسرقَ ما يعطينا ولا نجعل من ربيعِ القدرِ خريفاً لأعمارنا. رحمةُ الربِّ لا توجب أن نكونَ أشقياءَ تعساءَ في الدنيا لنحصلَ على الراحةِ بعد الموت.
في كُلِّ ناحيةٍ وفصلٍ من فصولِ الحياةِ للبشرِ نصيبٌ من الاختيارِ وعليهم أن يأخذوا ما كتبَ الربُّ لهم من المتعةِ والراحة ويطلبوا المزيد .لنا أن نجعلَ الربيعَ عاصمةَ العمرِ الذي نسكنها ويصر القدرُ على أن يهجرنا منها إلى أوطانِ الصيفِ والخريفِ والشتاء ونحن نصر على العودةِ والرجوع. في كُلِّ الفصولِ يشتد العراكُ بين قوى الطبيعةِ وما أن يشيخَ فصلُ الصيفِ تنتفض بقيةُ عناصر الكون ويزول عن وجهه النقابُ الذي يخفي جماله.
في أجسادنا ورؤوسنا الصغيرة هناك مرآةٌ للفصول، ننظر نظرةً إلى الوراءِ في الزمنِ وندرك كل السنواتِ التي مرت ونظن أن ربيعَ العمرِ ولى ولن يعود، يغرب العمر ونحن ننتظر الربيع ونجهل أنَّ العمرَ كله ربيعٌ حتى آخرَ نفس! تسحقنا الأيامُ لتفرض علينا الخيارَ بينَ البكاء والبقاءَ في السريرِ البالي أو معاندتهَا وتحويلَ متاعبها وثقلَ قيودها إلى طاقةٍ تهزأ بها وتنتظر الانعتاقَ من عبوديتها.
عندما ترحل أيها الصيف سوف ننظر إليك ونسخر منكَ من كوةِ الخريفِ والشتاءِ بين المواقد، سوفَ لن ننتظركَ في الليالي المنعشة عسى أن نشتاقَ لك في العام القادم. عندما يقصر النهار ويطولُ الليل سوف نفتحُ خزائنَ الأيامِ والذكريات ونسمع نسائمَ الرياحِ ونرى الأزهارَ تكبر، نلبس الجسدَ الجديدَ الذي يعطينا إياه الرب ونغطيهِ بعزمِ الروح. سوف نكون كلنا على كتفِ الحياةِ نضمُّ كُلَّ الفصولِ بذراعينا إلى صدورنا بين الأصحاءِ الأقوياء، قولوا يا رب.