مساراتٌ إلزاميةٌ في الحياةِ تجلب معكَ رفقاءَ يسيرونَ ذاتَ المسارِ ومتى ما انتهى المسارُ انتهت الرفقة ولا يبقى منها سوى العظة والذكرى. من الجنونِ ألا نظنَّ أنَّ من في ذاتِ الدرب لا يصل إلى مبتغاه ويرحل، ومن الجنونِ أن ننتظرَ رجوعَ من جرفتهُ بحورُ الأيامِ ناحيةً أخرى. في الصغرِ يمشي معكَ في المسيرِ الأبرياء المرحون. لا شيءَ في مرآةِ البصرِ سوى اليومَ التالي والنومَ ملءَ الجفنِ والدرهمَ في اليد الصغيرةِ الذي يزن قنطارًا من الذهب. تقول كُلَّ يومٍ تراهم: هؤلاءِ من سوفَ لن تستطيعَ أرواحنا وأجسادنا الافتراق. يخط الشعرُ في وجنتيكَ وشاربيكَ وتنظر كأنَّ التغيرَ الزمني أخافك وأخافهم وألزمهم الفراق.
يأتي الحالمونَ والعاشقونَ والمغامرون، منهم من يفتح للشياطينِ أبوابَ الخطايا والملائكة أبصارها ومن يقول للغد:ِ نحن نسيرُ إليكَ بكُلِّ رشاقةٍ وأمان ومن يقول للموت:ِ لا نخشاكَ ومن يقول للحبِّ لا تغلق البابَ والكُلُّ يقسم: سوف نبقى في الغدِ كما نحنُ اليومَ نعشقُ اللقاءَ في الصباحِ والمساء، نسير في دروبِ الحياةِ نحبها كُلَّها. تلزمكَ الحياةُ بعد سنين بأن تتساءل:َ ألمْ يكنْ بينَ الحجونِ إلى الصفا أنيسٌ ولم يسمرْ بمكة سامرُ؟
تعطيكَ الأيام في مسارِ الحكمةِ من يعينكَ في العقلِ والمشورة. تود لو أن الدنيا جادت به أيامَ كنتَ تحتاج عقلًا تستنير به وكتفًا تتكئ عليه دونَ أن تشعرَ أن عقلهُ حينها لم يرجح عقلك إنما هي اليقظةُ من سباتِ ورعونةِ الشباب! تقولانِ للقدر:ِ افعل ما تشاء لن نفترق ولكنَّ الأيام تُذهبُ روائعَ كل شيء حتى ما تظن أنه عصيٌّ على الذهاب.
صديقكَ من يضحك يومَ مولدك ويبكي يومَ مماتك وفيما بين تلكَ الأيام أصدقاءَ تلزمكَ الأيامُ أن تمشيَ ذاتَ الخطى. يبقى من الأصدقاءِ من يشبه حباتِ الشعيرِ التي تسقط من قوافلِ الركبانِ على جنباتِ الطريق، لا تزال صامتةً ميتةً حتى تأتيها أمطارُ الشتاءِ وتبعثها خضراءَ يانعة. كن صديقَ نفسكَ ولا تكن عدوَّ الناس. رافقهم وقصّر خطاكَ حتى يطولَ الطريق واعذر من تعبت قدماهُ من طولِ الصحبةِ وملت ناظراه المشاهد. عقلنا الباطن وعواطفنا الظاهرة تشعرنا أنَّ الأصدقاءَ هم من يسخرونَ من الأمس، يصلبونَ الصداقاتِ ويعدمونها ولكنْ ربما نحنُ من بنى حائطَ الصلبِ دونَ أن نراه!