بين خلوة الكلمات وعبقرية الأفكار أشعر بأني جالسة أمام كتلة من الإيمان وتحت جنح الليل, وأنا متوضئة طاهرة و متهيئة لكتابة مقالي هذا قبل آذان الفجر وقبل ذهاب ضوء الليل, مدركة تماما إن الليل يخشى القمر وهاأنا أجمع أفكاري قبل دخول النهار واجمع أوراقي وما أكثرها و قد سكنها حزن كبير, طالما تنزل دموعي عليها وأنا مستمرة في جمعها لأكتب, الكتابة العفوية تمنحني الفرصة والمسؤولية أن أخوض هنا تجربة تلامس القلب مباشرة, محاولة أن يعانق سواد قلمي بياض الورق لاسيما إن مقالي هذا يمتاز بطهر كلماته وبصدق إحساسي كعادتي.
قد يولد معي المقال بعسر شديد,وفي كثير من الأحيان أشعر بأنني أريد أن أقول شيئا ما و أضع الورقة البيضاء أمامي حائرة, حيث أفكاري وكلماتي لا تستيقظ إلا عندما ينام الكون وأنا لا أعود للنوم إلا عندما تستيقظ أفكاري التي أقنعها بذلك أثناء يقظتي, وقبل أن يداهمني التثاؤب وهكذا أنا قبل أن تقرأني يا قارئ العزيز.
سأكتب بقلمي إنني أعشق الحسين عليه السلام فأنا عاشقة أزلية, وعشقي يرتدي جسدي ويسكن قلبي وهو بمثابة الماء والهواء بالنسبة لي,لنقف لحظة مع الزمن ونحن على أبواب عاشوراء لتسافر أرواحنا إلى كربلاء الطاهرة, سامحوني ودعوني أتغزل كما أشاء فعشق الحسين لحظة فيها ينعش قلبي ويحييه, هذه لغتي التي تحتوي معنى العشق الحسيني والذي أترجمه بالسير على نهج وخطى الحسين, وهل يلام العاشق بعشق الحسين؟ وهنا تنزل مني دمعة عذراء ويكاد قلبي أن يقف لقد هاجت أحزاني و فاضت شجوني, وأنا أصور مشاعري لعشاق الحسين وهل نملك إلا أن نحزن وهذا ليس جديدا أن نتذكر إمامنا الحسين سلام الله عليه بتربته الطاهرة رغم إنه في الذاكرة.
بعد أيام قليلة سترفرف الراية السوداء فوق قبة مرقد إمامنا الحسين ويطل علينا شهر محرم والذكرى الأليمة لاستشهاد الحسين, عاشوراء هي ملهمة الثوار وملاذ الأحرار وإن مقتل الحسين أشعل في قلوبنا جمرة لن تنطفئ أبدا, هذا هو الحسين الثائر على الظلم أوجد فينا بصمة لا نقبل بظلم الآخر, وهذه كربلاء زادت الكر بلاءات في كل مكان وفي كل قلب مؤكدة علينا السير على خطاه وأن نتنفس بحب الحسين وغير هذا وذاك هل أحد منا يتصورنا دون الحسين؟ فالحسين ينتمي لكل زمان ومكان وحتى في الجنة سيكون الحسين سيد شبابها بلا منازع.
السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار لك مني ألف سلام, السلام على الجسد السليب السلام على الخد التريب السلام على العطشان الغريب, وأقول سلاما لك يا كربلاء آه وليت الآه تطفئ لهيب الشوق الملتهب في قلوبنا بطيف كربلاء, تدمع عيني ويعتصر قلبي عندما أتذكر وأتخيل كربلاء وصورة الضريح الطاهر قبر الشهيد الحسين أشعل ليل كربلاء نورا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام ببركة جسده الطاهر, ونحن محبيه نعٌفر وجوهنا بتراب كربلاء ولقد اتخذنا من الأسود وشاحا لنا مواساة لقلب سيدة نساء العالمين, نعم مشتاقة لسيدي ومولاي مشتاقة لتربة كربلاء المقدسة وغبارها النقي الذي يلامس إحساسي وينقيه,من يأخذني إلى كربلاء لأقبل نحر الحسين وأحضن ضلعه الشريف!
أرقب كربلاء الحسين و أدرك إن الزمان سيظل شاهدا حيا على تلك الدماء الطاهرة, علينا أن نتعلم من كربلاء روح الرضا لترفع من مستوانا الروحي وتقربنا إلى الله وتلهمنا كيف نحب الله, ما نحن من كربلاء ؟و ما نحن من الإمام الحسين عليه السلام؟ و ما نحن من السيدة زينب؟
كم كانت نفسي وروحي تهفو لزيارة ضريحك يا سيدي,اشعر إن دمك الطاهر يا حسين ينتفض في كربلاء تلك المدينة المقدسة التي أرادت العيش بسلام, الأرض التي شرفها الله وأراد أن تكون مقدسة طيبة معطاءة. هذه كربلاء بترابها وماؤها وهواؤها أرض الوفاء والإباء وفخورة برقدة الحسين على أرضها, وهل هناك قلب لا يغشاه الحزن والوجع حين يسمع عن قصة كربلاء؟ حتى حمام السلام رحلت حزنا على الحسين! مأساة كربلاء غصة في حلق الإنسانية وقدرها أن تكون حاضرة جرح السماء والأرض.
هي مدينة النور وشاء الله أن تكون توأم الشمس وقدر كربلاء أن تتشرف بدم الحسين وتحظى بزوار و محبي الحسين, إن كل بقعة فيها طاهرة وكل حفنة رمل من ترابها طاهر ومقدس, لا أدري كيف أقنع من لا يدرك عظمة كربلاء وقدسيتها ومكانتها الرفيعة عند الله! كربلاء ليست جغرافيا محددة بأرض ولكن كربلاء بالسماء وكربلاء بالأرض بل هي رسالة السماء والأرض من أجل الإسلام والسلام.
فلا عجب من كلامي هذا فأنا أحب كربلاء لقد زرتها كثيرا وأتذكر زيارتي الأولى لها وأنا صغيرة, نعم أفخر بزيارتي لكربلاء وما أدراك ما كربلاء ولا تزال تلك المشاهد ساخنة في ذهني وقريبة من قلبي حتى يومي هذا, من لم يزر أرض واقعة الطف التي شهدت أكبر ثورة خالدة ضد الطغاة؟ بين حين وآخر أتلهف لزيارة سيدي ومولاي الحسين وتمر علي أوقات أعيش في جو كربلاء, وكأني أرى زوار الحسين يسيرون لزيارته في كربلاء بمناسبة وبدون مناسبة نعم نزور كربلاء حبا لمن احتضن الثرى جسده الطاهر, كيف ينكر أحدنا ويحجب بصره عن رؤية هذه الملايين الزاحفة تجاهها نعم تجاه مدينة الحسين .
أرتعش ويرجف قلبي عندما أصل كربلاء وتطل مآذنها علي من بعيد وعند دخولي مقام الحسين الشريف, أصاب بالذهول وأجد نفسي أبكي على ضريحه الطاهر لم أخفي عبرتي ولا دمعتي, عشت هناك قمة الخشوع وأنا واقفة أمام مرقد الإمام أقف صامتة ومتأملة نفسي وأنا أزور مقام سيد الكون وسيد الكلمة وسيد الكرامة بل وسيد الشهداء ولا بد لي هنا أن أتشرف بذكر فتى كربلاء وحبيب سيد الشهداء وشبيه جده الأكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. نحن جميعا عشاق ومحبي الحسين ولنتخيل حادثة مقتله ولا أظن هناك شخصية في التاريخ قد قتلت كما قتل أبا عبد الله الحسين, إن مقتله أشعل في قلوب محبيه جمرة لن تنطفئ أبدا, لنبكي عليك بدل الدمع دما يا إمامي يا أبا عبد الله الحسين, نرى قباب الحسين والعباس تنير سماء التي حضيت برحمة السماء.
لا زلت أشتاق وأحن لزيارة سيد الشهداء وأبكي تحت قبته وزيارة مولاي أبا الفضل العباس وأنصار الحسين, لا زلت أتذكر ساحة الشهداء التي تقع بين مقامي الحسين والعباس عليهما السلام, أشتاق لزيارة النجف الأشرف لزيارة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وباحتضان ابن عم الرسول وزوج الزهراء البتول عليهم السلام, لا زلت أتذكر أسواقها المسقوفة القديمة التي تذكرني بأسواق القطيف أيام زمان, ولقد زرت سامراْء “سر من رأى” وعتباتها المقدسة وشاهدت منارة المتوكل, ولا أنسى مرقد الإمام موسى الكاظم عليه السلام. معظم زياراتي التي لا يحضرني عدد مراتها للمقامات الطاهرة رائعة ومفعمة بالخشوع والإيمان والحنين للأئمة الأطهار.
الكل يدرك إن في ارض كربلاء الطاهرة كان للحسين موعدا حتى صخور ونخيل كربلاء اصطفت هناك بغضب وتألمت بألم التاريخ نفسه على الحسين وهكذا أشعر تماما إن كربلاء جبلا كالحسين القوي الشامخ العظيم.
ستبقى كربلاء ما بقي الحسين عليه السلام علما ومنارا للحق يعلوا ولا يعلى عليه,فسلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب شقيقة إمامنا البطل تلك هي ابنة علي وفاطمة وبطلة كربلاء, كربلاء فيها آهات ووقفات فهل يا تري نستفيد من هذه الوقفة الحسينية, أنا تعلمت من كربلاء كثيرا ومن السيدة الفاضلة زينب عليها السلام أكثر.
أعترف دون مبالغة كل جميل وصادق يصدر مني أو تراه عيني أو يحبه قلبي هو من عند السيدة زينب, وعندما ترضى الناس عني وأنا أرضى عن نفسي أعتبر ذلك هدية أخرى من سيدتي زينب, مهما حاولت الالتزام والإقتداء بسيرة السيدة الفاضلة سلام الله عليها فأعتبر نفسي مقصرة جدا, رغم إني تعلمت منها الصمود والعفة والتضحية, تعلمت كيف أكون قيادية ناجحة, تعلمت منها أيضا إن المرأة تستطيع توصيل رسالتها للجميع مع الإصرار على مبادئي وقيمي وأخلاقي في ظل المتغيرات اليومية والتحديات الصعبة, وأعظم أمر تعلمته حقيقة أن أتشبث بعباءتي الزينبية كلما واجهتني بعض التيارات المستحدثة بزوابعها العديدة من هنا وهناك، حيث تعلمت الإحساس بالآخرين فلن ننسى نساء كربلاء كيف كانت تواسي كل واحدة الأخرى أين نحن منهن؟ وتعلمت أيضا من السيدة الطاهرة زينب كيف افتخر بكوني امرأة والأجمل تعلمت منها العطاء اللامحدود, والأعظم علمتني السيدة زينب كيف اعشق الإمام الحسين وأسير على دربه درب الكرامة والعزة والشرف.
يا قرائي الأعزاء وجودكم الزينبي ضروري وعلينا السير على خطى الحوراء زينب أم المصائب وبطلة كربلاء.
إحساسي الدافئ بالحسين الطاهر وبكربلاء المقدسة لا يزال طعمه الطيب عالقا بأفواه قلوبنا, وما زالت رائحة ذكراه العطرة تملأ ذاكرتي بأشياء أتمنى أن أعود إليها لإعادة الذكرى, الحسين حيا بقلوبنا وعقولنا ما دامت شمس النهار تستطع وقمر الليل يبرق إنه سيد الشهداء وضمير الكون والأديان, إنه الحسين فأي حسين أنت! حسين التضحية والوفاء أم حسين الفخر والاعتزاز؟
هذا هو عالم عشقي للحسين وهو ليس بعيدا عن عالم العشق ذاته لنبي الأمة محمد صلوات الله وسلامه عليه ولعلي وفاطمة عليهم أفضل السلام.
ما أسعدني وأنا ألمح عشاق الحسين عليه السلام وهم يقرئوني الآن, وليتني بارعة في الشعر لكتبت قصيدة عشق في الحسين وراثية لأرثي الحسين مدحا, أي كلمات أصيغها تكون رهيبة وأنا أنسجها بكل صدق وإخلاص, أو نسيتم إن الحسين شفيعنا يوم القيامة ما دمنا نسير على نهجه؟ فأنا كلما تذكرت الحسين أتوهج متألقة وأقف عاجزة أمامك أيها العلوي الطاهر لن أبالغ بكونك تاج رأسي وراية ديني ونور عيني الذي أهتدي به, فلا عجب كيف يبكيك الطفل والشاب والشيخ والرجال والنساء بنفس حجم الألم والوجع! وهو لا يزال شامخا وراسخا في قلوبنا و نحن نردد دائما لبيك يا حسين.
ففي كل عام أتعلم الجديد ولم يكن هذا العام كالماضي, ولن يكون كالقادم فأنا كطالبة علم في عاشوراء أتعلم الكثير والكثير من الحسين, ومن كربلاء ومن بطلة كربلاء, رحم الله الحسين وأخزى قاتل الحسين عليه السلام, سأعيش وأموت في ذكراك يا مولاي ومنك سأصل لحدود السماء.
تأبى نفسي إلا أن أنوه كم أشتاق لشرب الشاي العراقي, و تناول القيمر اللذيذ من الباعة عند الفجر أثناء ذهابنا للزيارة, لا زالت وجوه تلك السيدات العراقيات وهن يفترشن الأرض لبيع القيمر في مخيلتي, آه وبكل الأحوال مشتاقة لك يا إمامي وحبيبي يا حسين ومشتاقة لك يا كربلاء ويا عراق.
هذا ما استطاع أن يكتبه قلمي المتواضع فقد خرس لساني وجف مداد قلمي, لأستأذن القراء الآن وأغمض عيني لأغط في نوم عميق لأني أشعر نفسي وروحي بمقالي هذا قد اغتسلت بنور الحسين, و يا خسارة من لا يدرك رسالة الحسين,أعجز عن وصف الحسين وأكتفي أن أقول عن سيدي الحسين إنه الحسين وكفى!