خطباء.. ولكن!

ونحن نقترب من هلال الحسين، وعشرة الملحمة الكبرى التي سطرها أبو عبدالله (عليه السلام) على عرصات كربلاء، نقف عند الحديث عن خطباء المنبر الحسيني، والذين تشتد عليهم الهجمة وبشراسة هذه الأيام بطبيعة الحال كما هي كل مرة في بداية أيام عاشوراء المجيدة، فنقول: إننا نقف معهم بمختلف الأحوال ضد أي تيار يحاول النيل منهم أو من أحدهم، وندعو بأن يوفقهم الله تعالى ويسددهم لخدمة آل بيت رسول الله صلى الله عليه وعليهم أجمعين، في الوقت الذي لا نعفو البعض مما يطرح على المنبر بما يتنافي مع العقل والمنطق، وهي وقفة نصيحة معهم وليست ضدهم.

ونحن هنا نقارن ونفرق بين فئة الخطباء العلماء وبين فئة “خطباء ولكن”.. ونعني بهم غير العلماء، فنقول باختصار والله المستعان إن على هؤلاء (حفظهم الله) – ونعني بهم الفئة الثانية – تحصين أنفسهم من الخطورة التي تحدق بهم، وبالدين والمذهب من خلال بعض ما يطرحونه على المنبر بما يتنافى مع رسالة المنبر الحقيقية، فيثير تساؤل الناس من المؤالفين، ويوهن المذهب وربما العقيدة، ويربك الذين لا يزالون في طور التعلم من الشباب حديثي التكليف، أو ممن ثقافتهم الدينية ضعيفة أو ربما معدومة، فيأخذ من المنبر ما يقال دون تبصر ولا يخفى أن هناك من جانب آخر من يترصده من المخالفين الذين يتصيدون ما يحاولون به إضعاف المذهب الحق، وزعزعة المؤمنين، ويشهرون على أتباع مذهب آل البيت في كل موقع ومكان، وبالذات في أيام هذه المناسبة الشريفة.

نحن لا نقف ضد أحد منهم – لا سمح الله – بل ندعو لهم بالتوفيق، ولكننا نقول: إن على كل واحدٍ من هؤلاء الخطباء، خاصة ذلك الذي يحظى بحضور الجمع الغفير عنده أن يكون حريصًا جدًا فيما يطرح، موثقًا ذلك بالدليل والحجة، وأن يبعد ما هو مشبوه من خرافات وهرطقات لا يمكن تصديقها بأي حال من الأحوال، وألا يأخذه الحماس لأن يقول ما يظنه الرأي الصواب دون تحقق ومصداقية.

هذا أولًا، وثانيًا أن يبتعد بقدر معرفته وجهله على حد سواء عن الخوض في الأمور التي لا يفقهها، وليست هي وظيفته على المنبر، وذلك فيما يخص الشرع الحنيف حتى لا ينزلق إلى متاهات، ويضع المؤمنين في حرج من خلال الاستماع إليه والأخذ برأيه في فورة الحماس التي يعيشها الناس خلال الشحن العاطفي خاصة إذا ما كان لهذا الخطيب حضوره اللافت، ولهذا فرقنا بين الخطيب غير العالم والخطيب العالم والذي يشهد له بهذا الشأن أهل العلم والمعرفة، ويزكونه وينصفونه الإنصاف الذي يجعله من رواد المنبر باستحقاق.

لقد دأبت شخصيًا كل عام على الدفاع عن كل من يرتقي المنبر، وأجزم بأنهم في غالبيتهم موفقين – إن شاء الله – وقد نالوا حظًا عظيمًا، وبطبعي لا أحبذ طرح أي نقاشات فيما يخص الحسين (عليه السلام) عن طريق وسائل التواصل والإعلام، ولكن حقيقة كثر الهرج في ذلك، مما جعلني وغيري يبحث جديًا فيما يخص هذه الهجمات المتتالية التي لا تتوقف، وفعلًا لا مناص من الاعتراف بأن هناك ما تزخر به التسجيلات والمواقع الإلكترونية ومحركات البحث وغيرها، مما قد لا يساعد على ترسيخ المذهب، بل ربما يسيء له إن نحن لم نراقب جديًا ما يطرح، وخاصة من العلماء الأفاضل، ومساءلة أولئك الذين لا يدققون فيما يطرحون، ونحن لا نشخص ولكن على المنصفين أن يعاينوا ذلك بحيادية ليعرفوا ويعترفوا بأنه توجد مغالطات كثيرة يرتكبها بعض من يرتقي المنبر، ربما عفويًا أو جهلًا أو يأخذه الحماس فيقع في المحظور والمحذور والذي ربما يربك من يجلس تحت المنبر وخاصة الناشئة منهم، وهو أمر نحرص ويحرص الجميع على أن نتجنب سلبياته ونبسط إيجابياته من أجل عموم الفائدة.

لهذا نؤكد على الخطباء الأفاضل في نهاية المطاف أن يراعوا الله فيما يطرحونه وأن يحضِّروا ما يريدون طرحه جيدًا، وأن يكتفوا حقيقة بطرح وسرد الأحداث الكربلائية التي جرت بتمعن ودقة واختيار قدر الإمكان بعيدًا عن الخوض فيما لا يعرفه ويتناوله ويجيده سوى الخطباء العلماء.

حفظ الله الجميع ونفع بهم المؤمنين والمؤمنات وجزاهم عنا وعنهم خير الجزاء.


error: المحتوي محمي