غموض الذاكرة

إنه لتحدٍ كبير أن تعتني – ولو لفترة وجيزة – بمريض في محيط العائلة داهمه النسيان وفقد ذاكرته؛ لأن فقد الذاكرة والنسيان (الزهايمر) مرض غامض يصعب التعامل معه بسبب طبيعته، ويمكن أن يكون محبطًا للغاية بسبب تقلب المزاج والسلوك غير المتوقع للمريض، بالإضافة إلى سرعة نمو المرض، وتطوره ببطء على مراحل وعلى مدى سنوات.

هو مرض يقتل خلايا الدماغ ويؤدي إلى مشاكل في ذاكرة الإنسان، فيبدأ تدريجيًا بطيئًا ثم يستشري في الانتباه والتركيز ويؤثر على المزاج العام والسلوك.

كيف لا؟ والخلية العصبية مكون الدماغ الأساسي والتي هي لوحة التحكم المركزية في نظام ذاكرة الإنسان، قد حل بها الدمار.

مرض صعب ومتعب للمريض ولمن يعتني به من الأهل، ويعده البعض كارثة إنسانية مدمرة للجسم والعقل.

يبدأ المرض عادة بنسيان خفيف ثم يزداد، وسلوك عصبي لا إرادي، وشكوك، وتركيز أقل، وتوهان، وارتباك وعجز، ونسيان بعض الأماكن والأزمنة، والمهام السهلة واليومية تصبح مستحيلة بالنسبة له، واضطراب النوم – النوم نهارًا والصحو ليلًا، والانسحاب تدريجيًا من معرفة المحيطين، كما قد تقع له حوادث بسبب المرض.

ينمو سريعا ويتطور على مراحل، وأصعب وأشد مرحلة ألمًا يمر بها المريض هي عجزه عن القيام بما يقوم به الإنسان الطبيعي فلا يستطيع عمل شيء دون مساعدة الآخرين.

وفهم المرض وتفهم مراحله المختلفة أمر مهم جدًا لذا، علينا أن نعرف المزيد عن هذا المرض وعن كيفية التعامل مع المريض، فإذا عرفنا طبيعة المرض سهل علينا التعامل معه، وكنا مؤهلين لتقبل الصعوبات التي نواجهها مع المريض؛ فالمتغيرات التي تطال المريض حتمية وتتأثر بها العائلة كلها وخاصة من يعتني به.

وحتى نستطيع الاعتناء بالمريض على الوجه الأكمل علينا أن نضع في الاعتبار الاعتناء والاهتمام بأنفسنا أيضًا حتى لا يؤثر المرض علينا سلبيًا.

لهذا وجب على كل فرد من أفراد العائلة الصغير والكبير أن يهتم بالمريض ولا تترك المهام لشخص واحد تجنبًا للانهيار التام.

وحتى نخفف من الضغوط النفسية؛ فعلينا في هذه الحالة أن نتحدث لشخص مقرب عما نمر به، وأن نخرج لممارسة رياضة المشي، ونستنشق هواء نقيًا، وأن نقوم بالأنشطة المعتادة كالقراءة مثلًا فهي مفيدة إلى حد كبير، وأن نطلب الدعم والمساعدة لتلافي الإجهاد المدمر للصحة.

من خلال البحث والملاحظة وجدت أن ما يحتاجه المريض هو: المشاركة، وممارسة الرياضة لأنها مهمة، وأن يحيا حياة نشطة، وألا يترك للفراغ، والمداومة على القراءة إن كان يجيدها، وإبعاده عن الإزعاج والضجيج، وتقليل الضوضاء من حوله ليستطيع التركيز، وتقديم وجبات خفيفة له على مدار اليوم، فيما تكون أفضل طريقة عند تهيجه هي تقديم وجبة خفيفة يحبها، وتكون الأنوار خافتة ليلًا لترشده عند حاجته لدورة المياه.

وينصح بأن يُزار المريض زيارات قصيرة من قبل المقربين، ولا ينصح بها للذين لا يعرفهم ولا تربطه بهم علاقة قوية، وتكون زيارة الصغار محببة إليه ولكن يجب تنبيههم لحالته وعدم الضحك على تصرفاته.

وتكون مناداته باسمه وعدم مقاطعته وإعطاؤه الوقت الكافي للاستجابة، واستخدام الكلمات اللطيفة معه والبعد عن الكلمات الجافة وخاصة في مراحل المرض الأولى عندما يكون على درجة من الوعي بمشكلته، وعدم الكلام عنه بحضرته فقد يفهم بعض الكلمات ويحسها، وتكون الإجابة مرة أو مرتين عن أسألته المتكررة ثم القيام بمحاولة صرفه عنها بتغيير الموضوع.

وبالنسبة لمواعيد المستشفى أو زيارة أحد له؛ فيفضّل عدم إخباره بها إلا في حينها، فالإخبار المسبق قبل الموعد بيوم أو يومين يسبب له القلق ويرهق تفكيره.

لا تستغرب إن خيم الصمت فجأة وعلت وجه المريض مسحة من كآبة وانتابه القلق والارتباك والإرهاق النفسي والبدني، إنها متلازمة غروب الشمس كما يصفها المختصون ويصاب بها حوالي 20% من المرضى وتحدث بعد غروب الشمس، إذ ينتاب المريض القلق والارتباك، والإرهاق النفسي والبدني، وللتخفيف من هذه الحالة علينا إضاءة المنزل بشكلٍ كافٍ.

من أراد الاستزادة في المعرفة عن تاريخ هذا المرض واكتشافه وأسبابه وخطره وعلاجه فليبحث وسيكتشف الكثير.

يشار إلى أن العلاجات المتاحة حاليًا لتأخير أعراض المرض فقط، ولا يوجد علاج حاسم للآن، لكن الوقوف بجانب المريض والاهتمام به – وفق برنامج يومي منتظم – يؤدي إلى أفضل النتائج التي تساعد على إبطاء تطور المرض.

قد تضعف وينتابك الحزن والأسى وتنحدر دموعك ساخنة لرؤية ومعايشة عزيز عليك يمر بهذا الابتلاء، فتضع نفسك مكانه متسائلًا: ماذا لو…؟ حينها ستلجأ إلى الله مبتهلًا متضرعًا أن يمن عليه بالشفاء وأن يَصْب عليك صبرًا ولطفًا ورحمة مجنبًا إياك هذا الأذى، محسنًا إليك في ختام الحياة.. فلا شيء أحب إلى الله من طلب العافية.

ولنا في زين العباد – سلام الله عليه – أسوة حسنة في مناجاته لربه بقوله:
اللهم سربلني بسربال عافيتك وَرَدِّني رداء معافاتك، وجللني سوابغ نعمائك، وأذقني طعم العافية إلى منتهى أجلي، ولا تشمت بي عدوي، ولا تمكنه من عنقي، ولا تسلطه عليَّ.

واجعل باقي عمري في مرضاتك، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


error: المحتوي محمي