اختصاصيون: رسائل العيد المنسوخة لا تُغني عن دفء الزيارات والتبريكات الصوتية

قبل أن يدق العيد أبوابه والاستعداد له بشراء الجديد من الملابس وتقديم العيديات المميزة للأطفال يحرص الكثير لحصد وسام السبق في إرسال التهاني والتبريكات لمعايدة الأهل والأحبة، وغالبًا ما تكون هذه التهاني عبارات وصور مصممة ومكتوبة من قبل أشخاص آخرين وتم نسخها ولصقها لترسل في خانة مجموعة واتسابية أو رسالة جماعية بضغة زر.

وفي استطلاع لـ«القطيف اليوم» عن المقارنة بين رسائل المعايدة الجاهزة والمكتوبة أظهر أن الأغلبية تفضّل أن تكون رسائل المعايدة مكتوبة وليست منسوخة، فقالت نرجس المحسن: “أفضّل إرسال رسالة معايدة أنا قد كتبتها لأنها ستحمل تعبيري الشخصي، وأشعر أنه سيدخل قلب الشخص المرسل له بقوة وبكل تفاصيله، بعكس الكلام الذي يتم نسخه ولصقه فقد يمر عليه مرور الكرام دون قراءة لأنه قد يكون قرأه في مكان آخر، حتى لو كان هناك أشخاص يُسعدون بتذكرهم برسالة منسوخة”.

وذكرت زينب آل قاسم أنه لا فرق لديها بالإرسال وهي أحيانًا تنسى الإرسال لأحد من كثرة الرسائل المتشابهة فيصبح لا داعي له.

وتحبذ المدربة فضيلة الفضل إرسال تصميم أنيق خاص بها يحمل اسمها لمن تعايدهم، وعن رأيها بالرسائل المنسوخة قالت: “عن نفسي لا أتذوقها لأنها عامة ويكفيني لو كُتب لي سطر واحد وهو خاص”.

وتفضل الاختصاصي الاجتماعي فاطمة آل عجيان الجاهز من الرسائل لأنه أسرع ويعبر عن لطف وذوق المرسل حين يتذكر الآخرين برسالة تهنئة أو دعاء بالمناسبات، مرجعة تقبّل الرسائل الجاهزة لذات الشخص وكيف يتلقى المناسبة وكيف بداخله فهم المرسول.

التعبير الجسدي بالمعايدة له تأثير خاص
ومن جانب آخر قالت الاختصاصي الاجتماعي وردة آل عاشور: “في عصرنا الحالي أصبحت المعايدة عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي سائدة بشكل كبير، وربما أصبحت العائلة متواصلة وقريبة من بعضها بشكل كبير وسريع، والجميع يتسابق بإرسال رسائل التهنئه للأهل والأصدقاء ولكن تلك الرسائل ليس لها أي تأثير حقيقي، فالمعايدة الحقيقية تكون بزيارة الأهل والأصدقاء ومن خلال هذه الزيارات تتبادل العائلة الأحاديث اللطيفة والمواقف الظريفة والضحكات والبسمات التى تبقى في نفوسهم وتصبح بعد أيام ذكرى يتذكرونها مع الأيام.

وأضافت: “إن التعبير الجسدي عند السلام على أفراد العائلة أيضًا له تأثير خاص فتقبيل رأس الأم والأب وتقبيل يد الجدة واحتضان الأخوة له تأثير نفسي عميق بين أفراد الأسرة لن تستطيع رسائل التواصل الاجتماعي التعويض عنه”.

وأكدت آل عاشور أن انتشار تبادل الصور الجاهزة والكلام المنمق بقولها: “للأسف أصبحت المعايدة مجرد مجامله للأهل والأصدقاء وأصبحنا ننظر لشكل الرسائل وألوانها وتنسيقها دون التعمق في مفردات التهنئة، وأصبحنا مغتربين في بلد واحد نتبادل الرسائل للمعايدة والتهنئة كالمغتربين ونحن تفصلنا عن بيوت أحبابنا خطوات بسيطة”.

انعزال شعوري
وشارك آل عاشور الرأي الاختصاصي النفسي خالد مريط حين ذكر أن رسائل المعايدة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي تقلل من التقارب بين الأهل والأقارب والأصدقاء وهي نموذج مختصر ليس إلا؛ كما يعتبرها البعض، وأنها تسهل بعد المسافة بين الناس ولكن من جهة أخرى لا تقوم بمقام التواصل المباشر من ناحية التقارب والإحساس بروح الجماعة كالألفة والتحابي بين الأسرة والأصدقاء وتلاقي العائلات مع بعضها.

وتابع بالقول: “قد يرى البعض سهولة تناقل الرسائل الجاهزة وأنها تؤدي الغرض وتخفف المعاناة من ناحية أخرى وتكون إيجابية وخاصة للمسافرين أو المغتربين حول العالم في تواصلهم مع أسرهم وأصدقائهم”، مضيفًا: “وقسم آخر ليس لدية قدرة على التعبير عن مشاعر الحب والسعادة فيحدث انعزال شعوري للشخص وهذا هو التأثير السلبي من الناحية النفسية فلابد من التعبير المباشر لمن تحب أو تتواصل معه ولو برسالة”.

أضعف الإيمان
وبيّن الاختصاصي النفسي أسعد النمر أن رسائل المعايدة عبر التواصل الاجتماعي هي أضعف الإيمان، إن صح التعبير، وهذا لا يغني عن التفاعل المباشر الصوتي أو البصري، فمدلولات هذا النوع من التفاعل أعلى تأثيرًا في النفوس، ولذلك هو إجراء مهم في زيادة الروابط الاجتماعية.

رسائل معلبة تستخدم للإسعاف الاجتماعي
من جانبها ذكرت الاختصاصي الاجتماعي عقيلة آل حريز أن الناس عدة أنواع من الناس في اختياراتهم للرسائل؛ بعضهم يحفظ لديه رسائل معلبة وجاهزة وشبه مستهلكة يستخدمها كنوع من الإسعاف الاجتماعي بمجرد عملية قص ولصق ينهي أداء واجب ومعايدة يؤديها كيفما اتفق، وبعضهم يعتني باختياراته ويهذبها كي تناسب شخصه وشخوص المرسلة لهم، وآخرون يعتنون بما يكتبون ويجتهدون لإضفاء نكهتهم ومشاعرهم وذوقهم فيها، وليس الكل بكل الأحوال يمكنه أن يفعل ذلك فالأمر راجع للموهبة والقدرة والوقت.

وأكملت قائلة: “لا يخفى علينا أن لهفة المعايدات والتباريك تكون أكثر دفء عبر الزيارات والتحية بالأيدي والسلام والمعانقات التي تزيل رواسب البعد والقطيعة والجفاء إن وجدت، وأن التطور الذي طال عالمنا في التكنولوجيا جعلنا مرغمين لقبوله بالكثير من السرعة والإيقاع، فالرسائل الإلكترونية تحولت اليوم إلى بدائل مستعجلة وجاهزة وبها وفرة، ويستسهلها البعض من باب التواصل، فيما يلجأ آخرون إليها مضطرين بحكم السفر والبعد عن الأهل والأقارب والأصدقاء”.

واستطردت: “الناس ما بين مؤيد ومعارض لهذه الطريقة في التهنئة التي تنتشر في المجتمع؛ ففي الوقت الذي يرى البعض أنها وسيلة تواصل سهلة ومناسبة ومجدية لهم، نجد أن آخرين يعتقدون أنها وسيلة تباعد بينهم أكثر مما تُقرب، في ظل التطور التكنولوجي السريع الحاصل في العالم، والذي أصبح الجميع على اتصال ببعض دون الالتقاء أو الحديث المباشر، والذي صار يخفف عليهم غربتهم والمسافات بل إنهم يكتفون بإرسال رسالة عبر وسائل التواصل المتعددة التي تتسع شبكاتها عبر الهواتف الذكية ومواقع التواصل الأخرى، لتصبح بديلًا عن التواصل المباشر نظرًا لسهولة الاستخدام والسرعة في إرسال أكبر عدد ممكن من الرسائل خلال ثوانٍ سريعة وأيضًا لمئات الأشخاص”.

الاكتفاء بالرسائل تباعد لا تواصل
وتابعت: “وفي حال أن يصبح الأمر مقبولًا عبر وسائل التواصل كسرعة واختصار وبعد وغربة فهذا أمر جيد، لكن أن نكتفي به فقط ونتخلى تمامًا عن التواصل المباشر خاصة ما بين الأهل ولأقارب والأصدقاء فهذا فعلًا يباعد كثيرًا بين الناس في علاقاتهم الاجتماعية والأسرية ويفقدهم الحميمية التي يحتاجونها كنوع من الحماية العاطفية والنفسية، وهو الأمر الذي مع مرور الوقت سيقضي على التماس بالمشاعر الحقيقية والاتصال الإنساني، بل إننا نجد مع هذه الموجة أن المكالمات الهاتفية بقصد التهنئة بالعيد ما عادت رائجة في ظل شبح وسائل الاتصال المتنوعة وتنوع الرسائل والمسجات المنكهة”.

وأوضحت قائلة: “أحيانًا لا يمكنك معرفة مشاعر الآخرين فعليًا إلا من خلال قراءتها والوقوف على حرفيتها عبر ما يكتبونه ويرسلونه لك، لخصوصية المشاعر، أو لخجل التعبير في المجتمع، ولكون مجتمعنا متحفظًا جدًا في إظهار مشاعره حتى وإن كانت مشاعر تتحدث عن التهنئة والمعايدات؛ فالرسائل تمنح نوعًا من الستار والحماية لتجاوز هذا الخجل أو كسر حدته”.

الرسائل لا تغني عن حلاوة اللقاء
وأشارت آل حريز إلى أنه إذا سلمنا بحتمية الرسائل وضروريتها للكثيرين، فعلينا أن نعرف أنها لا تُغني تمامًا عن المباشرة وحلاوة اللقاء والمشاركة بالفرح مع القريبين منا، فثمة معانٍ جميلة للعيد ولمناسبات عديدة بين الأهل والرفاق لا يمكن للرسائل أن تسجل حرارتها أو تختصرها، ولا يختلف اثنان على أهمية هذا الدفء في التواصل مهما منحتنا الرسائل من إيجاز وسرعة واهتمام، فالأعياد تحديدًا لها طابعها الخاص، فبهجة الحضور فيها والاستقبال عالية جدًا وسط الأهل والأقارب، ويكاد استسهال التعبير عن المشاعر بالمفردات التكنولوجية يقلص اللهفة طالما أن اللقاء والحضور ممكن، مع عدم إنكارنا أن هذه البدائل مهمة بين من أبعدتهم ظروف الحياة وقهرها.

واختتمت آل حريز بقولها: “الرسائل وسيلة تواصل سريعة وسهلة ومعبرة، لكنها ليست للجميع، كما أنها ليست أداء فرض فقط دون عناية واعتناء وكذلك ليست كل شيء في العيد، فالعيد حالة تسجيل فرح حقيقي يجب الشعور به وإشعار الآخرين به وترك هذا الأثر النفسي في داخلهم بالتهنئة الطيبة، فالصوت رسالة، والحضور رسالة، والمصافحة رسالة والتهنئة رسالة، وأيضًا لمن حرمنا حضوره ومشاركتنا فرحنا بالعيد نوجه رسالة نحملها هوية مشاعرنا حتى لا نكرر أنفسنا لأحد ونبدو مختلفين في حضورنا ورسائلنا حتى وإن اضطررنا لها”.


error: المحتوي محمي