رحيل المفكر المصري البارز سمير أمين 1-2

في 13 من شهر أغسطس الحالي غيب الموت المفكر والاقتصادي المصري البارز سمير أمين (1931- 2018).

ولد سمير أمين، وقضى فترة طفولته في بورسعيد، بين أب مصري وأم فرنسية، وكان كلاهما طبيبًا، وحصل على شهادة الثانوية عام 1947م من إحدى المدارس الفرنسية، وبعدها غادر إلى باريس ليدرس فيها من 1947م إلى 1957م، حيث حصل في عام 1952م على دبلوم في العلوم السياسية، قبل أن يحصل على شهادة التخرج في الإحصاء 1956م، ثم الاقتصاد 1957م، ويعود إلى مصر حاملا شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة السوربون، غير أنه غادرها إلى باريس في عام 1960 إبان تعرض اليساريين المصريين للملاحقة في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر.

خلال العام 1951م، انتسب أمين إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، إلا أن الماركسية السوفيتية لم تثر إعجابه مما جعله يغادر صفوف الحزب لاحقاً مقترباً من الخط الصيني الماوي، ثم أخذ يطرح نفسه كماركسي مستقل.

وقالت وزارة الثقافة المصرية يوم الاثنين في نعي الكاتب والمفكر الاقتصادي الذي توفي في باريس عن عمر ناهز 87 عاماً، إنه «أحد المفكرين العظماء، حيث أثرى مجالات عديدة بإنجازات ستظل علامات مضيئة في التاريخ».

عمل سمير أمين مستشاراً اقتصادياً في مالي والكونغو ومدغشقر وغيرها من الدول الإفريقية، كما عمل مديراً لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادي في داكار لعشر سنوات طوال سبعينيات القرن الفائت، حيث تصدى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك أثناء عمله هذا في تأسيس منظمات بحثية وعلمية إفريقية مثل المجلس الإفريقي لتنمية البحوث الاجتماعية والاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث الذي ترأسه حتى وفاته.

يعد سمير أمين من أهم مفكري الاقتصاد في العالم، وعلى صعيد نظرية التبعية في العالم الثالث وخصوصاً من خلال أطروحاته حول «التطور اللامتكافئ» ونظرية «المركز والأطراف» و«المنظومات العالمية»، وهي التي تفسر التحولات الكبرى التي تطرأ على التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية على الصعيد العالمي.

معتبراً أن التغيير يأتي دائماً من أطراف النظم لا من مراكزها، حيث أن الشكل الطرفي للنظام هو الشكل الانتقالي غير الناضج، وهو بالتالي القابل للتجاوز. بعكس مراكز النظام الرأسمالي المكتمل، وبالتالي، فإن صلابتها تقاوم الانتقال التغيير إلى نظام جديد يتجاوزه، ليس في مراكزه الكبرى فقط، وإنّما بكليته. من هنا اعتبر أن الثورات الكبرى في التاريخ الحديث تمثلت في الثورة الفرنسية التي فجرها الفلاحين والفقراء الفرنسيين، والثورة الروسية، والثورة الصينية وسعيهما الجدي للانعتاق من سيطرة وهيمنة المراكز الرأسمالية الكبرى في أوربا والولايات المتحدة ثم اليابان.

كما يعد سمير أمين أحد علماء الاقتصاد البارزين في فرنسا، حيث درس وعاش معظم حياته، وفي الساحة الفرنسية أيضاً، يتخطى أمين حدود الاختصاص حيث يُعترف به عالميا كمنظّر رئيسي في مناهضة العولمة، وما بعد الرأسمالية.

وفقاً لسمير أمين، أن المسار التاريخي الطويل للرأسمالية ينقسم إلى ثلاث مراحل متميزة:

1 – (مرحلة إعداد طويلة ـ للتحول من نظام الجزية وهو النظام السائد فى المجتمعات الطبقية ما قبل الحديثة ـ وهي مرحلة القرون الثمانية من العام 1000 إلى 1800)

2 – (مرحلة نضج قصيرة (القرن التاسع عشر)، تتأكد فى خلالها سيادة الغرب).

3 – (مرحلة التدهور الطويلة التي دفعت إليها «صحوة الجنوب»، والتي انتزعت خلالها الشعوب والدول المبادرات الرئيسية فى تحول العالم والتي بدأت موجتها الأولى في القرن العشرين.

وبدأت الموجة الأخيرة لهذه المرحلة الانتقالية الطويلة للوصول للعالم الرأسمالي في أوروبا الأطلنطية ابتداءً من غزو الأميركتين لتتطور في خلال القرون الثلاثة للمرحلة المركانتيلية (1500- 1800). والرأسمالية التاريخية التي فرضت سيطرتها تدريجياً على المستوى العالمي هي ما أنتجته هذه الموجة الأخيرة. الشكل الأوروبي للرأسمالية التاريخية التي بنتها أوروبا المركزية والأطلنطية، وسليلتها في الولايات المتحدة، وبعدها في اليابان، لا ينفصم عن بعض صفاته المميزة وخاصة التراكم المبنى على الاستلاب.

معتبراً المعركة ضد النظام الإمبريالي التي لا تنفصم عن التوسع العالمي للإمبريالية، تحمل فى طياتها احتمال السير فى الطريق الطويل للتحول لما بعد الرأسمالية ونحو الاشتراكية. حيث تبدأ مع القرن الحادي والعشرين موجة جديدة من المبادرات لشعوب ودول الجنوب. للحديث صلة

نجيب الخنيزي
كاتب رأي – صحيفة الجزيرة


error: المحتوي محمي