الإمام الباقر (عليه السلام) وفن إدارة الأزمات

إن كل موقف من مواقف أهل البيت عليهم السلام يحمل بين طياته العديد من الدروس والعبر، ولذا علينا أن ندرس مواقفهم دراسة التأمل، والتدبر، واستلهام ما يعالج قضايانا سواء الفردية أو الاجتماعية، فأهل البيت (عليهم السلام) هم أفضل الأطباء، وفي مواقفهم وأخلاقهم، وكلماتهم الدواء الناجع لكل ما يعاني الكثير منا من مشاكل وهموم.

وعند قراءة أخلاقيات الإمام الباقر (عليه السلام) رأيت هذه الحادثة الجميلة التي تحمل الكثير من الدروس والعبر:
روى المؤرخون عن عظيم صبره أنه كان جالسًا مع أصحابه إذ سمع صيحة عالية في داره، فأسرع إليه بعض مواليه فأسرّ إليه بشيء فقال (عليه‌ السلام):
“الحمد لله على ما أعطى، وله ما أخذ، إنْهَهُم عن البكاء، وخذوا في جهازه، واطلبوا السكينة، وقولوا لها: لا ضير عليك أنت حرة لوجه الله لما تداخلك من الروع…)(1).
ورجع إلى حديثه، فتهيّب القوم سؤاله، ثم أقبل غلامه فقال له: قد جهّزناه، فأمر أصحابه بالقيام معه للصلاة على ولده ودفنه، وأخبر أصحابه بشأنه فقال لهم: إنه قد سقط من جارية كانت تحمله فمات.

وفي هذه الحادثة وجدت البلسم الشافي لمن يعاني من أزمة معينة، وهذا ما سأسلط عليه الضوء في هذه المقالة.

ما هي الأزمة؟
الأزمة: “هي فترة حرجة أو حالة غير مستقرة يترتب عليها حدوث نتيجة مؤثرة”.
وتتميز الأزمة بحدوثها بصورة مفاجئة دون أي مقدمات، ولهذا فهي تسبب صدمة وضغطًا، وعدم استقرار، وربما ردات فعل غير متوقعة.
وقد تكون الأزمة صحية، أو اجتماعية، أو مالية، سواء فردية أو جماعية.

كيف نتعامل مع الأزمة بصورة إيجابية؟

1- إن الأزمات التي تمر علينا إنما هي من صور الابتلاء التي تمحص الإنسان، وتختبر مدى قوته، وصموده، وكيفية تعامله مع الأزمة، يقول تعالى: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ [الملك: 2]، ويقول تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ [محمد: 31]، ويقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 1-3].

2- التعامل مع هذه الأزمات بصورة إيجابية (التسليم والرضا بقضاء الله والتوكل على الله) وهي اختبار لقوة استعانتك بالله، يقول تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51]، ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 156]،
وعندما نطالع سيرة أهل البيت (عليهم السلام) نجدهم قمة في التسليم والاطمئنان بقضاء الله، يقول الإمام الباقر (عليه السلام): “إنا ندعو الله فيما يحب فإذا وقع ما نكره لم نخالف الله فيما يحب” (2) فلقد قابلوا نكبات ومصائب الدهر بإرادة صلبة، وإيمان راسخ.

3- التثبت وعدم الاستعجال: في أوقات الأزمات يجب عليك التفكير بوضوح واتخاذ خيارات حياتية بتفكير قوي وتصورات صحيحة، وعليك تجنب الأخطار التي قد تسير بنفسك وحياتك إلى وادي الفشل.
فلا تختر حلًا سريعًا غير لائق، ولا تتخذ خيارات حياتية مهمة عندما تكون متعبًا أو مشوش التفكير؛ عليك فقط الهدوء والتفكير بوضوح.

4- لا تفقد الأمل: مهما كانت ضخامة الأزمة، فعليك ألا تفقد الأمل، تأمل قوله تعالى: ﴿فنادى في الظلمات…﴾ حتى في بطن الحوت كان هناك أمل، فعلق قلبك بالله، ولن تخيب أبدًا، هناك حل، يقول تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5-6]، فقد أخبرنا تعالى أن مع العسر يوجد اليسر، ثم أكد هذا الخبر.

وما أجمل ما قيل:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى
ذرعًا وعند الله منها المخرج

كملت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج

5- الاستعانة بالخبراء وأهل الاختصاص لحل الأزمة: فاستشارتهم تضيف علمًا إلى علمنا وخبرة إلى خبرتنا في مواجهة الأزمة، فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): “مَن أرادَ أمرًا فشاوَرَ فيهِ امرأً مسلمًا وفّقَهُ الله لأرشد أموره”.

6- لا تدع الأزمة تهزمك: عليك أن تفكر بطريقة إيجابية لتخطي الأزمة، فعليك أن تشحن نفسك بالطاقة والقوة، والتحفيز الذاتي، والتحدي، وتذكر أن لكل مشكلة حلًا.

وأخيرًا: هكذا هي الحياة لا تسير بوتيرة واحدة وإنما هي صعود وهبوط، وعلينا أن نعي هذه الحقيقة، ونتعامل مع تقلباتها بوعي وبصيرة.

الهوامش:
1،2: أعلام الهداية ص 28-29.


error: المحتوي محمي