العلوي: بعد الخط على سرير أخي بشرني آل رضوان بـ المركز الثاني على المملكة

بين دواة ومداد، يعيش مبحرًا في أنواع الخطوط العربية، يده تنساب منها الحروف، مسطرًا كلمات وجملًا وآيات، وإذ استسقى الحبر من عينيه تلاوات الجمال، أضحت ريشته تمشق ذاك الألق وروافده الفن والثقافة وتراتيل الأوراق، وقد تتحول قصبة خطه لمعول، وكراسه لأخشاب ليغدو نحاتًا يرسم رسالة قوية على ردهات زمن ظلت زخارف عمرها صامدة.

ويسير الزمان للخلف مندهشًا يجوب بلدة القديح، ليعثر على “السيد حيدر العلوي” طفلًا يعشق الخربشات ويلون جدران البيوتات التي أصبحت كاحلة بالأملاح، وهو يرى فيها جمالًا غريبًا، ويحاول ويحاول وما حوله سوى بيت لبناته الفن والتشجيع على الرسم والإبداع، فبين تشكيلي ومصور ونحات تفرد بالخط، وإذ غدا فتيًا كان يحتاج لكي يخط لوحات الزواجات إلى قاعدة صلبة ليثبت عليها القماش، فكان يزيل فراش أخيه ليستعمل خشبة السرير ليتمكن من الخط عليها، ويبدو أن الوالدة لم تعجبها تلك الحفلة، وبعدها أبدلها بسجادة قوية كان يمدها وعند الانتهاء منها يلفها.

ولعل اللف للوصول للهدف، أصبح ديدن الشاب العلوي، الذي يمتاز ببرود الأعصاب وخفة الدم، فالتحق بقسم التاريخ بجامعة الملك السعود بالرياض، ليحصل على مجموع نال على أثره قبولًا في تحويله لقسم التربية الفنية، ليتخرج فيها عام 1425هـ ويعمل بعدها معلمًا في ذات التخصص.

وأبان “العلوي” رسالته من الخط وفيها سر شغفه الذي جعله يرسمها بريشة عرضها مليمتر وأقل، حيث وجد أن للخط العربي ميزة في هويتنا العربية والإسلامية نمتلكها، جاءت من خلال سلسلة طويلة من الخطاطين القدماء “فلنحافظ عليها ولنعتني بها ولنظهرها بأفضل حلة”.

ورآه قمة في منحنيات الجمال، نقطة على أسطر الإنجاز، فتابع فنه وحاكى أعماله فكان أستاذه بلا منافس الخطاط الدولي “حسن آل رضوان”، ذاكرًا خطاطًا آخر وضع بصمة في مجتمع القطيف وتتلمذ على يديه كثير من الخطاطين هو “نافع التحيفاء”، وقد توجه السيد حيدر للمدرسة التركية محاكيًا للخطاط “محمد شوقي” رحمه الله، من أيام الدولة العثمانية، وموقعًا لوحاته بـ”العلوي”.

وبخلاف ما يعتقد عن الفنانين بأنهم غير منهجيين في ابتكاراتهم، اعتبر “العلوي” الخطاطين من أدق المنطقيين فحسب قوله: “نحن في الخط نتبع مقاسات وقواعد ونتدرج بمراحل وخطوات لنصل للنهاية، نبدأ من اختيار النص، إلى نوع الخط المناسب، والحبر والورق والتدريب، للوصول لشكل متقن في النهاية، حتى لو كانت تجريدية تظل فيها نسب مدروسة وأشكال متناظرة مثلًا وكتلة وفراغ تتبادلان السواد والبياض وغيرها من النسبة الفاضلة”.

وخرج عن إطار الوطن، ليكون ضمن كوكبة فنانين خليجيين، معتبرًا نفسه غير محظوظ في مثل تلك المشاركات الدولية، ففقط كانت له مشاركة جماعية في البحرين وحيدة، كما شارك باجتهاده وبدعوة من عُمان مرتين في مخيم النحاتين، ناحتًا “تعايش”.

وعن “تعايش”، يقول “العلوي” إن الهدف منه إظهار جمال الخشب الذي كان من نوع السدر، وعمل مجسم تتوفر فيه السمات الفنية مستخدمًا التضاد في الملامس والثنائية للتعبير عن تعايش الاختلاف، أيضًا كان في الجذع حفر من دودة عاشت فيه فاستغلها في الموضوع.

وأوضح رسالة النحت من منطق حسه، فهي تختلف من نحات لآخر ومن فنان لآخر، وعادةً النحاتين يأخذون من تراث أوطانهم ومواضيع تخص بلدانهم أو لتحقيق الذات من عمل أشكال فنية تجريدية ربما لا يفصح النحات عن مواضيعها.

ويجوب “العلوي” المملكة تارة نحاتًا وأخرى خطاطًا، فنجده في مهرجان الساحل الشرقي بالدمام ينحت “غدار يا بحر”، وفي معرض توثيقي اسمه “خطوات الماء” يوضح مسير النساء نحو عيون الماء، حيث قدم منحوتتين وفي ساحل الجبيل واحدة، أما في الخط فله مسلسل طويل آخر، حلقات لا نهاية لها، بداية بسورة “البقرة”، وقد كتبها مباشرةً بخط النسخ المصحفي، في ورشة بركن المجلس القرآني المشترك، الذي أقيم في الملتقى الاجتماعي الرابع “واعتصموا” بمسجد جعفر الطيار (ع) بصفوى، وكان قد استخدم في كتابتها الحبر الطبيعي “رضائي زنجان” بسمك قلم ١ ملم، على ورق عالجه الخطاط علي العجاج، كما كان له 4 ورش خطية في مطار الدمام ضمن معرض “الفن بريشة شرقية”.

وفي “الفن بريشة شرقية”، نثر جمال الخط عبر خطه لأسماء وكلمات وآيات قرآنية على الورق المقهر والمعالج، وتحدث عن ثقافة “الخط” الذي من جماله يبث الروحانية، ويشجع على القراءة، ونوه بأننا لا نستطيع فصل الخطاطين القدماء عن الحداثيين، فلكل منهم أسلوب ومنهج وضع عبره أصالة وإبداعًا، كما أشار للخط “الدارج” الذي يميل للرقعة غالبًا وقليلٌ منه ما يميل إلى النسخ، حيث وثق أهالينا عبره الكتب والرسائل والأشعار.

وذكر لـ«القطيف اليوم»، موقفًا رسم الابتسامة على وجهه، عندما اتصل عليه أستاذه حسن آل رضوان، يبشره بحصوله على المركز الثاني على مستوى المملكة في الخط الكلاسيكي، وكان في السنة السابقة محكمًا لنفس المسابقة فلم يتوقع مشاركته مع بقية المشاركين، فجاءه الفضول وسأله: “من الذي حصل على المركز الأول؟”، فأجابه آل رضوان: “عمك!”، فتفاجأ وسأل: “من يكون؟”، قال: “أنا الذي أتحدث معك!”، أما الموقف الذي نقش في قلبه حسرة فكان وفاة الفنان مكي درويش “رحمه الله”.

 


error: المحتوي محمي