
عملتُ مع ديفيد؛ رجلٌ من الغرب (بريطاني) لا يؤمن بخالقٍ أو دينٍ.. كثيرًا ما دارَ حديثٌ بيني وبينه في هذا الموضوع وهو شخصٌ دمث الخلق لا يستاء من الاستماعِ لرأيٍ يخالف رأيه وقد زارَ هو وزوجته منزلنا قبلَ سنواتٍ وأخذته في نزهةٍ في مدينة القطيف وجزيرة تاروت ونال ذلك رضاهما، عادةٌ اعتدتها أن أدعوَ من أعرفهم ليومِ غداءٍ وتجول في المنطقة، مع قلةِ الأماكنِ التي كان باستطاعتي أخذهم إليها إلا أنهم كانوا يبدونَ إعجابهم بتاريخِ وعاداتِ من يلتقونه.
قلت له: بين مجال الحياةِ والدين رباطٌ وتعلمت من الحياةِ أن أستدلَّ بها على الدينِ وأستدل بالدينِ على الحياة.. سألتهُ السؤال التالي: هل تَرى أننا نحتاج لمديرٍ لتنتظمَ وتستمر أمورُ دائرتنا في العمل؟ ألسنا راشدينَ بما فيهِ الكفاية لنقومَ بنظمِ أنفسنا دونَ ناظم؟ قال: لا بد من ناظمٍ وعدم وجودِ ناظمٍ ذو سلطةٍ مخالفٌ للعقلِ وسيرةِ العقلاء. قلت له: إذا كانت دائرتنا الصغيرة وذاتَ العددِ المحدود من المهندسين والتقنيين تتطلب أن يكونَ لها ربٌّ ينظمُ أمورها الهندسية وبدونه لا تستقيم، أليس من الواجبِ أن يكونَ التسلسلُ منطقيًا وينسحبَ على كُلِّ شيءٍ في الكونِ صَغُرَ أم كَبُرْ؟
أضفت له السؤالَ الآخر: هل يطلب منا مديرنا أن نُبْدِعَ في العملِ ونبذل أقصى جهدنا ويضع لنا تصوره في المهماتِ والرؤى المستقبلية؟ ألا يُعتبر هذا من مهمات الرئيس والمدير ليرى إدارته تُنافِس وتتطور؟ قال نعم وكما هو حاصل.. قلت له: إذا كانَ لا بد من خالقٍ لهذا الكونِ فلا بد له من تطويرهِ ونظم أموره، إذاً ما هي الوسائل ليفعل ذلك؟ هل يدعنا مديرنا نتدبرَ أمورَ العمل بأنفسنا أم يُعَيِّنْ لنا أحد الأكفاءِ ليبين لنا هذا النائبُ ما يراهُ المديرُ من كيفيةِ أداءِ العمل؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فهذهِ هي مهمةُ الرسلِ في تبليغِ الرسالةِ الإلهيةِ للبشرِ وليس الدين سوى الطريقةِ التي يريدُ بها الخالقُ من الناسِ معرفته وإطاعته.
تطور الحديثُ إلى التالي: إذا كان هناكَ خالقٌ لهذا الكون ورسلٌ ونظامٌ دقيق فهل هذا هو التطور الأمثل؟ أم هناك درجة من التقدمِ والهندسةِ والقيمِ المثالية التي يجب أن تسودَ هذا الكون كما وعدَ الأنبياءُ والرسل؟ هل تتحقق هذه الإرادةُ المثلى على يد أناسٍ عاديين؟ لمَ لمْ تتحقق للآن إذاً؟ هل يحتاج تحققها إلى مجتمعٍ مثالي وقائدٍ مثالي عندما يعجز الناسُ أن يحققوا مشيئةَ الخالق؟
لم يغير ديفيد رأيه في عدمِ وجودِ خالقٍ أو أنبياء مع سعةِ اطلاعه ومعرفته ولِكُلٍّ في هذه الحياة قناعات يعيش على أساسها ويُحاسبُ عليها.. كان المشرفُ على بناءِ منزلنا عام 1986م من الهندِ وقد جلب معه حجرًا صغيرًا يعبده وكان تحت إمرتهِ مجموعةٌ من العمالِ من تايلاند وكانوا يسخرونَ من ربه كلما أزعجهم في العمل!
تأملاتٍ في الحياةِ ترينا كم هي صعبةٌ وشاقةٌ مهماتُ الأنبياءِ الذين ينقلونَ مجتمعاتٍ بأكملها من ضفةٍ من العقائدِ والعباداتِ إلى ضفةٍ أخرى لم يعتادوا ولا يرغبوا أن ينتقلوا ناحيتها.. نجح كثيرٌ من الرسلِ في مهماتهم ولم تتسع مداركُ الكثيرِ من المجتمعاتِ لتقبل الرسالةِ الجديدة وغادر الرسلُ الحياةَ في حزنٍ وأسى.