حينها، حين اللحظات، تأتيك ذات غفلة من الوقت، لتبصر لوحة من أنامل فنانة تشكيلية، لا تعلم كم ربيعًا لعمرها الزمني، لمرحلتها الدراسية، عنوة، يبزغ في خلدك، أنها فنانة، لها امتداد كبير في خبرتها الفنية، مقارعتها نظيراتها الفنانات في المسابقات المحلية، لديها مخزونها المفعم من المشاركات بمختلف مسافاتها، ألوانها، لتسطر لوحاتها الفنية في تلكم المعارض، ليأخذ المتلقي الشغوف بالفن، قسطًا من التأمل، ليبحر في لوحاتها. الآن تبصرها فتاة صغيرة في العمر.
الفنانة التشكيلية، كوثر سيد عدنان الصائغ، من مواليد 2002 ومن سكان مدينة القطيف، تدرس في الصف الثاني الثانوي، أنثى اتخذت من الفن توأمها، برغم صغر غيمات عمرها الزمني، إلا أن غيماتها تمطر فنًا، تنسج بألوان فرشاتها لوحة، لتقول: إن الإبداع لا يعرف إلا من يريد أن يبدع، من يجتهد، من يحفز ذاته، يشجعها، يعلمها الأبجديات الفنية، من لا يخالجه اليأس، ليعيش الأمل.
«القطيف اليوم» تدير الخطوات ناحية عالمها الفني، لتمسك اليراع، لترسم حروفها، عن بدايتها في الرسم، تقول “الصائغ”: “في الرسم، كانت أصابعي تخيطه على القرطاس منذ الصغر، في الروضة تقريبًا، لأحب قصقصة الأوراق والرسم عليها، كان في شقتنا القديمة جدار، يعلق أبي عليه كل ما أنتهي من رسمه، بعدها انتقلنا إلى منزلنا الحالي، لأضع لوحاتي في جدرانه، كأنما تشكل مرسمًا، أو معرضًا تشكيليًا”.
وأضافت: “كل غرفة وزاوية في منزلنا، أنهيت فيها لوحة، حاولت أكثر من مرة، لأخصص لنفسي غرفة أرسم فيها، لكن بدون ما أشعر، أتنقل باللوحة بين أروقة منزلنا”.
لا ينسى الفنان غالبًا أول لوحة تشكيلية رسمتها ريشته، لتزرع في الذاكرة، ترتوي من الماء، لكل ما يأتي بعدها، أول لوحة، تعتبرها – الصائغ ـ إنجازًا لها، لوحة “غرق قرص الشمس”، شاركت بها في معرض “لوحة وحكاية”، عام 2013م، لتحزن كثيرًا على الكثير من اللوحات التي استعارتها مدرستها، ولم تعد، لكنها استفادت حرصًا في مشاركة لوحاتها.
التحدي وثقافة التعامل معه، اللوحة الأقرب للفنان، تشير إلى أن آخر لوحة رسمتها، جاءت بخامة الباستيل، هي محاكاة لرسمة “جون ويليام”، التي كانت بالنسبة لها التحدي، كأول تجربة لها بخامة الباستيل، بألوان غير أحادية، وكونها واجهت صعوبة في رسم القماش الشفاف والرخام، كخلفية، وقالت: “كان كل جزء فيها تحديًا لي”.
وعن فنانتها التي تتخذها قدوة، ذكرت أنها الفنانة الأجنبية Lindsay Rapp، التي يرعشها عشقًا، في قالبه الفني، أسلوبها الخاص الذي تجده مميزًا، لتبهرها لوحاتها، متمنية أن يكون لها أسلوبها الخاص في لوحاتها، مرورًا في مستقبل الأيام.
جميل أن ترشف الكلمات التي تمثل وعيًا بذات فنانة، لم تتخرج للآن في المرحلة الثانوية، إن النقد له أثره الإيجابي في حياتها الفنية، وسببًا للتطوير، ليأتي النقد، محملًا بأنفاس الأبوة، وحنانها، بأن أول سبب في تطويرها، كان نقد والدها للوحاتها، بكونه لا يجامل أبدًا، لينقد الخطأ في لوحاتها، إن وجد، مع أنه كان أكثر شخص يدعمها ويشجعها ماديًا.
وأكدت أن النقد الذي تبصره من والدها جاء حافزًا جعلها لا تقتنع بمستواها مهما كان، لتجتهد في تطوير أدواتها وأفكارها وذاتها بشكل مستمر، لأنها تطمح للأفضل، في حين أن أمها لم تسمع منها نقدًا في يوم ما، إلا أنها كانت دائمًا تمدحها وتشجعها، تسكبها من فيض حنانها.
وقالت بلغة الوجع: “إن المجتمع لم أجد في كنفه الإحساس الذي يجعلني أشعر بدعمه، بكونه لم يقدم لي دعمًا، حيث إن المعارض المحلية كانت لا تستقبل لوحاتي، لصغر سني بدون رؤيتها ولو لحظات نعم، لا أذكر أنني رأيت، أو أحسست باهتمام من قبل المجتمع صراحة”، داعية: “ينبغي على الإنسان -الفنان-، أن يكون أول داعم ومشجع لنفسه، ولا ينتظر أحدًا، إذا لم يكن بشرفته أحد يدعمه”.
وشاركت “الصائغ” في مسابقة “إسلام وسلام”، مرتين، لتفوز في الثانية بالمركز الثالث على مستوى المنطقة الشرقية عام 2016م، كذلك في مسابقات المدرسة والفعاليات، كالرسم المباشر.
وتصف علاقتها بالألوان، والريشة الفنية، بأنه في الرسم شيء ما يجذبها، يصهرها، لا تقوى على الابتعاد عن اللوحة، لتتعتق فيها، انغماسًا، لساعات، هي -الصائغ-، ترى أنه من القسوة أن يكون الرسم في الوقت الضائع، في ثواني اليوم ودقائقه، وقالت: “لابد من وقت مخصص له، وتكتنفها الرغبة والحماسة، لتكون متهيئة نفسيًا، ذهنيًا، إنها تحب اللوحات المليئة بالألوان، تجذبنها أكثر من الأبيض والأسود والألوان الباهتة”، مبينة أن هذا السبب الذي يجعلها تبتعد عن الرسم بالفحم والرصاص كثيرًا.
وأشارت إلى أنها جربت أغلب الخامات، وحاليًا تمارس الرسم بالألوان المائية، كرسمات صغيرة، تحاول أن تتطور فيها، لأنها أصعب خامة تستخدمها، لصعوبة التحكم بها، ولوحاتها الكبيرة، ترسمها بخامة الباستيل، التي تحبها، موضحة أنها تستخدم فيها يديها، بعكس باقي الخامات، كالأقلام والفرش، لذا تشعر بالانتماء للوحة أكثر.
وأضافت: “أحب رسم التفاصيل بكل أنواعها، تفاصيل الملامح، أو تفاصيل الطبيعة، تفاصيل الأقمشة والشعر، لأنها تعطي اللوحة واقعية، وحياة أكثر، أحب الرسم الواقعي أكثر، حتى لو كان بالألوان المائية”.
وعن طموحاتها في المستقبل، أجابت: “طموحي الفني لا يغني عن طموحي الأكاديمي، فإن طموحي فنيًا أن أكون فنانة كبيرة، وأقيم معرضًا خاصًا، وأصل للمستوى الذي يمكنه أن يرضيني، وبالنسبة لطموحي الأكاديمي، فإني سأبذل كل الجهد، لأوفق في دراسة الجينات، لأصبح مهندسة وراثية، فيما بعد”.
واختتمت حديثها بكلمة توجهها، لكل إنسان، يتمتع بموهبة، وقالت: “لا تقتنع بالقليل، واطمح للأفضل، إن وجدتم شخصًا واحدًا يشجعكم، اكتفوا به، ليمثل حافزًا لكم، شكرًا لكل معلم، كان له اليد الطولى في تطور لوحاتي، وكل أهلي، لأنهم كانوا يشجعوني دائمًا”.