نشأت (أحلام) في أسرة استقطبتْ فيها جميع الأنظار، وكانت تترك فراغًا كبيرًا عند غيابها. أما في حال حضورها بين أفراد عائلتها فهي محور التخاطب والأحاديث الشيقة، سألتُها يومًا ما سرّ علاقتك الناجحة بالآخرين؟
أجابتْ: حسن الاستماع بحب لهم، أنسى كل شيء في خضم حديثي مع أختي أو مع صديقتي، كلّي آذان صاغية لمن وضع ثقته في الحديث معي.
بثقافتي وخبرتي في الحياة واطلاعي على مجريات أحداث المجتمع أصبحت مستعدة لوضع الحلول للمشاكل التي تواجهني، وقررت أن أصنع لي منصّة خاصّة سأطلق عليها منصة فنون وتقنيات حسن الاستماع للآخرين، هو فنٌ لا يعترف به الكثير من الناس.
إننا لو تأملنا العلاقات الإنسانية الناجحة سوف نلاحظ أن الهرم الثلاثي للنجاح فيها يتألف من: الحب، وحسن الإنصات، والعطاء؛ ذلك هو أكسير الحياة الناجحة فلا تستمر حياة ناجحة دون مُنصت يفهمك جيدًا، ويقرأ نظرات عينيك ليعرف ما تفكر به وما تتمناه دون تصنّع وزيف، واثقًا من قدرته ثقةً لا تصل لحد الغرور والتباهي أمامك أو استصغار شأنك وإنما هو الاهتمام بك النابع عن حبّ سكن القلب وتوغل في المشاعر فتمخضّ عن حسن الاستماع لك، أو ربما هو الاحترام المتبادل بينكما لمصالح مشتركة كالاحترام بين الموظفين في قطاعاتهم المختلفة.
حدثتني إحدى زميلاتي قائلة: “أُصبت بالتهاب في حنجرتي أعجزني عن الحديث إلا بمشقة وقد تزامن ذلك مع انعقاد مجلس الأمهات في المدرسة التي كنت أعمل فيها وعندما جاءت إحدى الأمهات لتسألني عن المستوى الدراسي لابنتها اقتصر الحوار بيني وبينها على الإيماء بالرأس فقط، وقلّما كنت أطرح عليها بعض الأسئلة بينما هي مسترسلة في الحديث وبحماس شديد، كنت أظن أنها سوف تنعتني بأنني معلمة مملة إلا أنني أصبت بدهشة بالغة عندما وصفتني لمديرة المدرسة بـ(المُحَاوِرة المدهشة)”.
إننا وللأسف الشديد نهمل مهارة حسن الاستماع في حياتنا مع أنها من أهم مهارات الاتصال التي تكشف لنا شخصية المتحدث، وترشدنا لأهم النقاط الدالة على كيفية التعامل معه، كل الخطأ في فرض حديثنا وبسط عضلاتنا الكلامية وكأننا نقود العالم بالحديث الذي يعلو ويصل أحيانًا للصراخ ورمي الاتهامات جزافًا.
يقول الإمام علي عليه السلام: “تكلموا تعرفوا، فإن المرء مخبوء تحت لسانه”.
كثيرةٌ هي المواقف التي تخرج الإنسان منتصرًا بصمته فقط، جعلنا الله ممن يستمعون لأجمل الحديث فيتبعون جوهره وينصتون لكلام المولى (عز وجل) فيعملون به؛ قال الله تعالى:
﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ﴾ [سورة الأحقاف: 29].
ومهما أبحرنا في أعماق حسن الإنصات واستمعنا جيدًا لمن نحب يظل هناك أشرف إنصات يسمو بالروح ويجلو صدأ النفس؛ إنه الاستماع لصوت الحق، لصوت الله تعالى “القرآن الكريم”، قال الله تعالى:
﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].