فقراء المرونة

من الغرابة أن هناك فئة من المجتمع واعية ومثقفة ومتدينة وعارفة الأصول والحقوق والتعامل مع أفراد المجتمع ولها مكانتها ومنزلتها ومحبوبة بين أوساطها ولكن متى ما خالفتها أو لم تؤمن بأفكارها أو لا تنسجم مع أطروحاتها تجدها تضعك في دائرة محكمة وتطلق عليك مصطلحات تصغر من شأنك وتقلل من قيمتك وتهاجمك كأنك عدو ولا تستحق النقاش، ناهيك أحيانًا عن أنها تعتبرك خارجًا عن المألوف أو الملة وهكذا.. بمجرد أنك كنت تختلف معها.

هل هذا نصَ عليه القرآن أم جاء في الرسالة المحمدية؟
لماذا كل هذا؟ ألسنا ممن لهم الحق في الخوض بالتجربة والتعبير والتطلع؟ أليس لعقولنا حق ولأفكارنا حرية التمعن والقراءة والتصفح؟
أم حلال عليكم وحرام علينا؟

ما هو الإنصاف لديكم؟ وما هي مساحة المرونة التي تستخدمونها في حياتكم؟
هل خلقنا الله (عز وجل) فقط لنرى ونسكت ولا نبحث ونتحرى؟
و الله (عز وجل) ذكر في محكم كتابه آيات يحث بها عباده على العلم والمعرفة والبحث والتقصي، ومنها:
{وقل ربي زدني علماً}.
{وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}.
{وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ}.
وغيرها من الآيات الشريفة.

تساؤلات تطرح نفسها:
هل العلم مختصر على فئة معينة من البشر أم العلم شامل للجميع؟
هل العلم لا يفهمه إلا بعض البشر أم يستطيع الإنسان التحري والبحث والتقصي للوصول إلى حقيقة العلم؟
هل العلم فيه عنصرية بشرية بمعنى لا يفهمه إلا من كان لونه أبيض أو يكون ذا مال ووجاهة أو من طبقة معينة أو من عائلة مرموقة؟

جميعنا يؤمن بأن العلم بحرٌ غزير وليس مختصرًا على أحد، ويحق للجميع أن يبحث ويقرأ ويتطلع ويرى ويناقش ويطرح بحثه العلمي بأدوات تجيز له ذلك.

إذن لماذا هذه العنصرية؟ ولماذا تستصغرون عقول وأفكار البشر؟
لماذا لا نزال نعيش تحت القمع بسبب الموروث وإن كان يحتاج لتصحيح أو تحديث أو تعديل؟
لماذا دائماً نرى الطرف الآخر على خطأ ونحن على صواب؟

كل هذه الأسئلة تراودني بين الحين والآخر عند حدوث ردة فعل من أشخاص لا يؤمنون بوجهات النظر للطرف الآخر ولا يعتقدون أنها صائبة أو تترك تحت المجهر أو يسلط عليها الضوء أو إعطاؤها أقل قيمة.

وهذه الفئة للأسف لا يوجد في قاموسها معنى أو كلمة أو مصطلح مرونة ولا تجعل مساحة جيدة لمن يختلف معها.

مع أن الله (عز وجل) أنزل رسالاته مختلفة لكل مجتمع خصص له ديانة والديانة التي تتلوها تكمل التي قبلها حتى ختم رسالته بمحمد (ص) وكرّمه بدين الإسلام بعدما أعطاه حرية التمعن والتدبر والبحث والتفكر في الخالق والآيات لمعرفة الدين الحنيف.

نسأل الله أن ينير قلوبنا وأن يجعلنا ممن يمشون على خطاه إنه هو السميع المجيب.


error: المحتوي محمي