
قبل يومين، وبمحض الصدفة، شاهدت تقريرًا وثائقيًا حول وسائل الإعلام العالمية في حقبة ثمانينيات القرن الماضي، أي قبل ثلاثة عقود تقريبًا.
بالنسبة لي، عايشت جيداً هذه الفترة الزمنية التي غصّت بالمتناقضات والتحولات والتطورات والصراعات، لذا أحسست بمشاعر مختلطة أثناء مشاهدة هذا التقرير الوثائقي الرائع الذي تناول العديد من التجارب والخبرات والموضات الإعلامية المختلفة التي اجتاحت فكر ومزاج وقناعة المجتمعات في كل أنحاء العالم، خاصة الدول المتقدمة في مجال الإعلام كأمريكا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولم أستغرب مطلقًا عدم وجود بعض التجارب والبرامج الإعلامية العربية؛ لأنها لم تكن على قدر مناسب من الحرفية والمهنية والكفاءة التي تسمح لها بمجاراة – فضلاً عن منافسة – أمريكا أو أوروبا.
وخلال ساعتين، هي مدة هذا التقرير الوثائقي المثير الذي مرّ بخجل على بعض التجارب الإعلامية البسيطة في بعض دول آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، لم تُذكر مفردة «عربي» على الإطلاق.. تجارب إعلامية وثقافية وتقنية متنوعة من الغرب والشرق والشمال والجنوب، بشّرت بثورة إعلامية ومعلوماتية هائلة، نعيش تصدرها وسيطرتها الآن، لم نكن – أي العالم العربي – جزءاً منها أو طرفًا فيها، بل لم نُحسن حتى استثمارها وتوظيفها.
في هذا التقرير الوثائقي أسماء وشخصيات شهيرة في مجال الإعلام البرامجي والترفيهي والفني، تحدثت وبشكل واضح عن سر القوة والهيمنة والتأثير التي يُمارسها الإعلام بمختلف وسائله ومستوياته على الأفراد والمجتمعات والشعوب، إضافة لقدرته الفائقة على تشكيل وصياغة وتوجيه الرأي العام، وهذا الأمر لم يعد سرًا، بل هو الواقع الذي نعيشه في كل تفاصيل حياتنا الراهنة.
من بين الكم الهائل من المعلومات والإحصائيات والتجارب التي غصّ بها هذا التقرير الوثائقي المذهل، لفتت انتباهي قضية مثيرة استعرضها التقرير بشيء من الكوميديا السوداء، وهي نظرة الأجيال الجديدة لما كان يُقدم من أفكار وبرامج وتجارب فنية وإعلامية تقليدية.
كانت الضحكات تتعالى، وعبارات التهكم قاسية، وتحولت السخرية إلى ردة فعل تعكس الصورة التي يحملها الشباب عن كل تلك البرامج والتجارب التي كانت تُمثّل قفزة كبرى في مجال الإعلام والبرامج الفنية.
وهنا يُعلمنا هؤلاء الشباب درسًا مهمًا؛ وهو أن لكل جيل أفكاره وثقافاته وتجاربه وخبراته، والتي تُعتبر امتدادًا طبيعيًا لما أنجزه الأوائل والرواد، ولكن في المقابل، يجب ألا يُمارس هؤلاء الرواد الأستاذية المتغطرسة أمام تقدم الأجيال الشابة التي تملك الرغبة والقدرة والكفاءة لصنع الحياة التي تُشبه طموحاتهم وتطلعاتهم وأحلامهم.
ما كان يُعجبنا ويُناسب ذائقتنا، ليس بالضرورة أن يفعل الشيء نفسه مع أولادنا، تلك حقيقة أثبتتها التجارب وأكدتها السنين.
الاحتفاء بالأمس بكل ما فيه من ريادة وخبرات، أمر رائع وضروري، ولكنه لا يجب أن يكون عقبة أمام بزوغ فجر يوم جديد.