
غيب الموت اليوم الأحد 16 ذو القعدة 1439 هـ شاعر أهل البيت(ع) الحاج حسين بن الحاج تقي بن الحاج مهدي الزاير، أحد الشخصيات البارزة في القطيف، وصهر العلامة الشيخ منصور البيات.
وولد الفقيد سنة 1348هــ في بيت جدّه لأمه الشيخ منصور الزاير، الواقع في قلعة القطيف، وذلك لاشتراط في عقد زواج والده من والدته بأن يعيش الإثنان في منزل الجد.
وتأثر الوالد الحاج المرحوم بوالده تقي الزاير فقد كان والده قدوة له في سيرته الذاتية، فهو شخص قد تحمل مسؤوليات جسام من قبل والده الحاج مهدي وعمه الشيخ منصور، وتحلى بباقة من الخصال الحميدة، يذكره بها من عاصره.
وتتلمذ على يدي الملا عيسى عبدالعال في القرآن الكريم، ثم تعلم القراءة والكتابة عند المعلم عبدالله بن مهدي المدن، ثم التحق بكتّاب الملا علي الرمضان لتعلم الحساب وأصول الخط، ثم بدأ دراسة اللغة العربية، فدرس قسمًا من متن الأجرومية لدى المرحوم أحمد ابن عمه الشيخ منصور البيات، وأكمل الباقي على يدي الشيخ محمد حسين آل عبدالجبار، ثم درس قطر الندى عند السيد هاشم ابن المقدس السيد حسين العوامي الملقب بــ “العالم”، وأكمل على يديه نصف الكتاب، ليتمه على يد المرحوم الملا علي الطويل، ثم عاد مرة أخرى إلى الشيخ محمد حسين آل عبدالجبار(رحمه الله) ليبدأ عنده دراسة “ألفية بن مالك” وأكملها عند السيد هاشم بن السيد حسين العوامي.
وتزوج في عام 1366 هـ من المرحومة نصرة ابنة خاله محمد صالح ابن الشيخ منصور الزاير، وبعد أن وافت المنية والده ولبى نداء ربه، صار هو المسؤول عما كان في يد والده من النخيل، سواء من أملاكه أو من الأوقاف التي كانت تحت يده، إضافة الى تحمل أعباء العائلة وأمور المعيشة، فحالت كثرة الأشغال عن مواصلته للدراسة في النجف الأشرف.
وبدأ نظم الشعر العربي الفصيح منذ وقت مبكر، وقد جمع شعره في ديوان باسم الزائريات والذي نشر عام 1422. أما في مجال الكتابة النثرية فقد اتجه لها بعد أن تفرغ من الأعمال الحرة، وقد انتج (الشجرة البهية والدوحة الزائرية) وهو كتاب يتعلق بعائلة الزاير، فهو شجرة نسبية، بين فيها علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض وعلاقتهم بالأسر الأخرى بالقطيف، واعتمد فيه على الوثائق القديمة؛ من صكوك ملكية ووصايا ووقفيات، يعود تاريخها إلى أكثر من 300 سنة مضت، هادفاً منه إلى بقاء أواصر المحبة والترابط الأسري لما فيه من مصلحة المجتمع وازدهاره، وكذلك كتاب (النخلة عمة الإنسان وكنزه الخالد) وقد نشر عام 1429 في مجلدين، وحاول أن يجمع – في هذا الكتاب المصور عن النخلة -كل ما يتصل بها من جوانب مختلفة: دينية، وأدبية، وعلمية وعملية، وغير ذلك. منادياً فيه بالحفاظ على النخلة، ومن ثم كتاب (نجوم في الذاكرة) ضمنه ذكرياته ولقاءاته مع العلماء والفضلاء خلال سني حياته، وسيرهم، مقتصرًا فيه على من انتقل إلى جوار ربه الكريم.
بيان صادر من مكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ينعى فيه الفقيد
لقاء سابق أجرته مجلة الخط مع الفقيد:
تربيت في أسرة علمية ومنها تعلمت الكثير من القيم والمناقب
-تحملي مسؤولية العائلة ـ بعد والدي ـ منعني من الدراسة في النجف الأشرف
-الذهاب إلى تاروت رحلة صعبة لكنها ممتعة للغاية
-لم أقتصر على الشعر الديني فلدي في المديح والغزل والرثاء
-ارتباطي الأسري بالعم العلامة البيات كان له الأثر الجلي في حياتي
-أحببت مجتمعي فأشركته في ذاكرتي
-آمنت بأهمية الترابط الأسري في بناء المجتمع فأثبتّه في (الشجرة البهية)
تأسرك أخلاقه، وتأخذك طيبته وحسن تعامله، وترى في وجهه الإيمان وحب الناس، فضلا عن التجارب التي تظهر على محيّاه، لديه تجربة رائعة، يمكن من خلالها أن يحكي لنا وللأجيال القادمة قصة انتشار العلم الديني في القطيف، التي استحقت بموجبها لقب “النجف الصغرى” بحكم علاقاته مع رجال الدين، فقد تربي في كنفهم، وتخلّق بأخلاقهم، وسار وفق سيرتهم، فيتحدث ويكتب وينظم الشعر على طريقة وسيرة العلماء السابقين.. ومع ذلك فلديه تجربة متميزة في مجال الأعمال الحرة، والكتابة المتخصصة. إنه الكاتب والشاعر الحاج حسين بن الحاج تقي الزاير، الذي فتح صدره لــ “الخط” من خلال الحوار التالي:
ــ في البداية كيف تصفون لنا السيرة الذاتية، خصوصا في مراحل حياتكم الأولى؟
ــ حسين بن الحاج تقي بن الحاج مهدي الزاير، ولدت سنة 1348هــ في بيت جدّي لأمي الشيخ منصور الزاير، الواقع في قلعة القطيف، وذلك لاشتراط في عقد زواج والدي من والدتي بأن يعيش الإثنان في منزل الجد، فعشت برفقة إخواني (أحمد ورضي وزهراء) في حجرة واحدة في (البيت العود) كما كان يسمى بيت الأسرة الكبير قديماً ، وكانت الوالدة مسؤولة عني ـ أنا وإخواني ـ وأسرة جدي ومنهم اختاها (ملكة وصالحة)، وأخوتها (محمد، ومحمد صالح، وعلي)بالإضافة إلى من كان يسكن معنا من الأقرباء، فهي تتحمل مسؤولية إدارة ذلك البيت نيابة عن والدها الشيخ. وفي العام 1351هــ انتقل جدّي إلى رحمة الله عن عمر بلغ 64 عاما،
فكان خالي محمد صالح قد أخذ موقع الجد في تحمّل شؤون الأسرة ورعاية جميع أفرادها. وبعد تلك الوفاة انتقلت أنا وإخواني إلى بيت والدي، ولم تبق الوالدة بعد وفاة أبيها سوى خمس سنوات فانتقلت هي الأخرى إلى رحمة الله عام 1356هــ وبعد وفاتها تزوج والدي من خالتي صالحة بنت الشيخ منصور الزاير، وأنجبت أخي مهدي (رحمه الله). وقد كانت -حفظها الله -لي بمثابة الأم الرؤوم. في هذا البيت، وفي هذه الأسرة الكريمة تربيت وتعلمت الكثير من القيم التي لا تزال باقية لدي، وما فتأت أرسلها إلى أولادي وأحفادي، تلك هي خلاصة سيرتي الذاتية في حياتي الأولى.
ـ ماذا عن تأثير الوالد الحاج تقي الزاير على مسيرتكم الحياتية؟
ـ لقد كان الوالد قدوة لنا في سيرته الذاتية، فهو شخص قد تحمل مسؤوليات جسام من قبل والده الحاج مهدي وعمه الشيخ منصور، تحلى بباقة من الخصال الحميدة، يذكره بها من عاصره، و أبرزها الكرم حيث لم يقصده أحد بطلب حاجة مادية أو خدمة معنوية إلا قضاها له، وقد رأيته أكثر من مرة يخرج تحت أستار الليل ليطوف على أرحامه وينعم عليهم. وفي (سنة البطاقة) التي مرّت علينا، حينما حدث نقص كبير في المواد الغذائية، كان الوالد حينها يتابع أوضاع المحتاجين، ويوزع عليهم التمر. هذا فضلا عن حلمه وتواضعه؛ ومما عايشته وهو -رحمه الله -في البيت مع وجود الخدم، عندما يأتي وقت وجبة الغداء مثلاً، يباشر وضع الطعام ويأمرهم بإيصاله إلى كل من بالبيت، ومن ثم يضع الطعام للخدم ويجلس للأكل معهم بلا فرق بينه وبينهم. أضف إلى ذلك حبه للخير و مواظبته على صلاة الجماعة مع السيد ماجد العوامي فيرحمه الله رحمة الأبرار:
لقد عاش محمود الفعال وإنه
عطوف على الأرحام والضعفاء
وللخير سباق بدون تردد
بسرٍ خفي دون أي مراء
وبالوصل للأرحام سعيا تراه قد
نال المكارم في ذرى العلياء
وتراه يسمو بالتقاء وإسمه
“تقي” من الأمجاد والشرفاء
ومن التواضع يزدهي بين الورى
ــ وبالحسن في الاخلاق ــ والكرماء
ــ وعلى ضوء ذلك كيف كانت سيرة الجد الشيخ منصور، وكيف كان تأثيرها على حياتكم؟
ــ إني وللحق ما فتأت اتتلمذ وأتعلم من سيرة جدي الشيخ منصور الزاير، ليس لأنه جدّي فقط، بل لسيرته العطرة، التي كنت ـعرف عليها من خلال والديّ، فمن يقف على بعض فصولها يجد الكثير من المعاني والمناقب، فقد كان الجد صديقا للسيد ماجد العوامي، وكان كل منهما مشتغلا بالتجارة في بداية حياته، وكلاهما ترك هذه المهنة واتجه صوب العلم في النجف الأشرف، وكان الجد يرحمه الله سببا ـ بعد توفيق الله جل شأنه ـ في أن يسلك الشيخ منصور آل سيف طريق العلم والعلماء، فكان مصاحبا له في بعض سني حياته في النجف الأشرف. ولعلّي أذكر في إحياء ذكراه قلت فيه شعرا، منه:
وفي المكارم والأخلاق حين لقاً
بش بشوش صبيح الوجه كالقمر
وفي التواضع بين الناس تحسبه
يرعى الصغير وفي التقدير للكبر
وفي السخاء جواد راح مشتهرا
من العطاء لهم في اليسر والعسر
وفي السماحة لا يقسو على أحد
الا لمرتكب الأسواء والضرر
فهذه سيرة الأخيار إن لهم
من السخاء وفي الإيثار بالأثر
ــ كيف كان وضع التعليم في تلك الفترة بالنسبة لكم؟
ــ بالنسبة للتعليم في تلك الفترة كان الغالب عليه الطريقة التقليدية، فقد تتلمذت على يدي الملا عيسى عبدالعال في القرآن الكريم، ثم تعلمت القراءة والكتابة عند المعلم عبدالله بن مهدي المدن، ثم التحقت بكتّاب الملا علي الرمضان لتعلم الحساب وأصول الخط، ثم بدأت دراسة اللغة العربية، فدرست قسما من متن الأجرومية لدى المرحوم أحمد ابن العم الشيخ منصور البيات، وأكملت الباقي على يدي الشيخ محمد حسين آل عبدالجبار، ثم درست قطر الندى عند السيد هاشم ابن المقدس السيد حسين العوامي الملقب بــ “العالم”، وأكملت على يديه نصف الكتاب، لأتمه على يد المرحوم الملا علي الطويل، ثم أعود مرة أخرى إلى الشيخ محمد حسين آل عبدالجبار(رحمه الله) لأبدأ عنده دراسة “ألفية بن مالك” وأكملتها عند السيد هاشم بن السيد حسين العوامي. وهكذا تربيت في منزل علم، وتتلمذت على أيدي علماء فضلاء، جزاهم الله عنّي خير الجزاء.
ــ ما دمت قد نشأت في هذه البيئة العلمية والدينية، لماذا لم تذهب الى النجف الأشرف، وتسلك طريق أسلافك هناك؟
ــ في الواقع طلبت من الوالد بأن يأذن لي بالذهاب إلى النجف الأشرف لإكمال ومواصلة الدرس هناك، فأجابني بأن لي عنده ثلاث رغبات، هي (فريضة الحج، والزواج، ثم التوجه للدراسة في النجف الأشرف)، وقد حقق الأوليين فقد وفقت لأداء فريضة الحج ولله الحمد سنة 1364 هــ وأما الزواج فقد تم في العام 1366 هـ من المرحومة نصرة بنت الخال محمد صالح ابن الشيخ منصور الزاير، ولكن الخطوب حالت دون تحقيق الرغبة الثالثة ، فقد أخبرني بأنه سيحققها، عندما تأتي ثمرة السنة السابعة والستين ويحين بيع التمور والسلوق، إلا أن الوالد قد وافته المنية ولبى نداء ربه، فصرت أنا المسؤول عما كان في يده من النخيل، سواء من أملاكه أو من الأوقاف التي كانت تحت يده، إضافة الى تحمل أعباء العائلة وأمور المعيشة، فحالت كثرة الأشغال عن مواصلة الدرس، والشكر لله على ما قدّر.
ــ بعد الوالد والجد، بمن تأثرت من العلماء والفضلاء الذين عاصرتهم؟
ــ العلاقة مع المرحوم الشيخ علي أبي عبد الكريم كانت علاقة نسبية أولا، كونه زوجا للمرحومة عمتي فاطمة بنت محمد حسن الزاير، وهي شقيقة جدي لأمي الشيخ منصور، وهذه القرابة أسهمت في توثيق العلاقة معه. وبسبب حبي له كنت أواظب على الصلاة معه، وأكون آخر من يخرج من المسجد معه، وأنا الذي أطوي سجادته، وأقوم بإيصاله إلى منزله، وفي الطريق يسألني عن دروسي، ويختبرني فيما درست خصوصا في العديد من أبواب النحو والصرف، وكنت أستفيد من ملاحظاته.. والأمر الآخر إن ما تمتع به الزعيم الشيخ علي الخنيزي “أبوعبدالكريم” من حسن خلق وعلم وتواضع تجعل كل من يلتقي به يحبه ويتعلق به، فهو من القامات التي نفخر بها، نحن أهل القطيف.
أما الإمام علي ابو الحسن الخنيزي فقد كنت مواظبا على صلاة الجماعة معه، أتعلم كثيرا من تجاربه وحسن أخلاقه، وحينما توفي رحمه الله شعرت بالحزن الشديد وقد ذكرته في مرثيتي لعلماء بلادي فقلت بعد ذكر الزعيم الخنيزي:
وبعده علم يدعى أبا حسن
في العلم بحر فلا ينسى مدى العُصُر
الله يعلم والأملاك شاهدة
والدين والفقه والأحكام في الأثر
كما تأثرت بالسيد حسين بن هاشم العوامي الذي أطلق عليه لقب (العالم)، وكان يحيطني برعايته واهتمامه، فيناديني بــ “ياولدي”، وزادت علاقتي بهذا المنزل الكريم حينما صرت أحد طلاب نجله السيد هاشم وقد درست على يديه “قطر الندى وبل الصدى” كما ذكرت لكم.
أما الحجة الشيخ عبد الله بن معتوق، فما من مرة أذهب فيها إلى تاروت حتى التقيه، واستفيد من علومه واخلاقه.
وخلال سني حياتي كانت لي علاقات جيدة مع الشيخ منصور المرهون، والشيخ محمد صالح البريكي، والمقدس الشيخ علي الجشي،
اما المقدس السيد ماجد العوامي فقد ربطتني به علاقة وثيقة منذ صغر سني، فقد كنت أرافقه من بيته الى مسجده، أحمل عنه مصلاه وفانوسه، ثم أعود معه بعد أن أطوي سجادته وبقية حصر المسجد، وكنت رفيقا له في بعض الزيارات إلى تاروت وصفوى وغيرهما.
الخلاصة إن جملة من العلماء كانت لي معهم مواقف وعلاقات وزيارات، بعضها أوردتها في كتابي (نجوم في سماء الذاكرة).
أما العلاقة الأبوية الخاصة فقد كانت مع العم المقدس الشيخ منصور البيات، فقد عرفته ملازما لمجلس خاله السيد ماجد العوامي، وكذلك للعلمين الخنيزيين، وتوثقت تلك العلاقة حينما تزوجت من كريمته ووحيدته، ولقد اشترط عليّ بأن أسكن مع زوجي في بيته، ولا أخرجها منه كما ذكرت سابقا من اشتراط جدي الشيخ منصور على والدي بقاء ابنته في بيته بعد زواجها
فلقد كانت زوجتي بعد وفاة أخيها أحمد شابا، المعينة لوالدها على مطالعة دروسه العلمية، فانتقلت بعد زواجي إلى بيت العم وعشت معه، وعايشته فيه حتى هاجر إلى النجف الأشرف لمدة تزيد على الثمان عشرة سنة، ثم عاد بعدها، منتفعاً من تعليماته وتوجيهاته ومعاملته لي كابن له لا صهر. وأنا باق في بيته بالقلعة وأبنائي أسباطه الذين كان له الدور البارز في تنشئتهم وتربيتهم، فأثر هذا المقدس في حياتي يعتبر مستمراً، متمثلا معي في كل اللحظات تغمده الله بواسع الرحمة والغفران.
ــ ذكرت مسألة الأوقاف، والتي كانت ولا تزال مصدر حساسية في حال الحديث عنها، ما قصة هذه الأوقاف، وكيف قمتم بإدارتها؟
ــ في سنة 1367 هـ توفي والدي، وكانت وفاته بعد وفاة السيد ماجد العوامي بشهرين، وقد طلب أهالي القطيف من العلامة الشيخ علي الجشي العودة إلى الوطن لحاجة الناس إليه، ليسد الفراغ الذي أحدثته وفاة السيد ماجد، فاستجاب الشيخ الجشي لذلك وعاد من النجف الأشرف، وكان أبي متوليا على الأوقاف التي كانت تحت ولايته بإذن من الشيخ منصور الزاير، وبعد وفاة والدي توجهت إلى الشيخ علي الجشي بجميع الأوراق المتعلقة بالأوقاف، وكنت غير راغب في التولي عليها، لكنه يرحمه الله “حكم” علي بأن أتولى هذه المسؤولية، فوافقت بشرط أن تتم المراجعة سنويا معه، وأن لا يكون هناك اعتراض من قبل أبناء عمومتي، فوافق على شروطي، فبقيت وليا على تلك الأوقاف، التي بقيت معي حتى بعد وفاة الشيخ الجشي، و تولي الشيخ محمد صالح المبارك، وأنا على سيرتي في التعامل مع هذه الأوقاف، فيما يتعلق بالمحاسبة السنوية، إلى أن تركت التصدي لها في عهد الشيخ محمد صالح المبارك رحمه الله.
ـ ما دمت لم تذهب الى النجف أين اتجهت عمليا؟
ــ في الحقيقة بدأت حياتي العملية في وزارة الصحة، ومكثت فيها 12 عاما، وفي تلك الفترة تركت الأوقاف، وبعد وزارة الصحة توجهت للأعمال الحرة، فعملت مخلّصا جمركيا، واتجهت للرياض، بحكم أن مجال العمل هناك أكبر، وهناك توسعت علاقاتي ومعارفي، بالإضافة إلى نشاطي في الدمام. وقمت في التسعينات الهجرية بإنشاء مصنع صغير للطابوق في أحد أملاك الوالد، وحاولت التعاقد مع إحدى الشركات الأجنبية لإنشاء مصنع متطور، لكن الظروف لم تخدمني، وحالت بعض العوائق دون الحصول على التراخيص اللازمة، فتركت الأمر، وانصرفت إلى مجال عملي آخر، وهو صيانة السيارات، ففتحت ورشة باسم (ورشة وميزان الزاير)، وجلبت لها عمالة ماهرة من تايلند وتركيا، وكان فيها أول ميزان إليكتروني للسيارات في القطيف، ومشيت في هذا المشوار حتى كلفت أحد ابنائي لمواصلة الدرب عني.
ــ وكيف دخلت عالم الأدب والشعر بالتحديد؟
ــ من توفيق الله أني بدأت أنظم الشعر العربي الفصيح منذ وقت مبكر، وقد جمعت شعري في ديوان باسم الزائريات والذي نشر عام 1422. أما في مجال الكتابة النثرية فقد اتجهت لها بعد أن تفرغت من الأعمال الحرة، وقد انتجت ولله الحمد (الشجرة البهية والدوحة الزائرية) وهو كتاب يتعلق بعائلة الزاير، فهو شجرة نسبية، بينت فيها علاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض وعلاقتهم بالأسر الأخرى بالقطيف، اعتمدت فيه على الوثائق القديمة؛ من صكوك ملكية ووصايا و وقفيات، يعود تاريخها إلى أكثر من 300 سنة مضت، هادفاً منه إلى بقاء أواصر المحبة والترابط الأسري لما فيه من مصلحة المجتمع وازدهاره، وليس الغرض منه هو التفاخر والتباهي بالآباء والأجداد،
فلا تفاضل إلا بالتقوى كما أدبنا ديننا الحنيف. وكذلك كتاب (النخلة عمة الإنسان وكنزه الخالد) وقد نشر عام 1429 في مجلدين، ولقد حاولت بما استطعت أن أجمع – في هذا الكتاب المصور عن النخلة -كل ما يتصل بها من جوانب مختلفة: دينية، وأدبية، وعلمية وعملية، وغير ذلك. منادياً فيه بالحفاظ على النخلة بما تمثله من الطبيعة الجميلة لبلدنا، وبما تحمله من مصدر للغذاء، بل تعتبر من أهم مصادر الأمن الغذائي، ومن ثم كتاب (نجوم في الذاكرة) ضمنته ذكرياتي ولقاءاتي مع العلماء والفضلاء خلال سني حياتي، وسيرهم، مقتصرا فيه على من انتقل إلى جوار ربه الكريم. وغرضي منه هو الاستفادة من سيرة هؤلاء الأعلام بما يخدم حياة الأجيال القادمة وربطهم بماضينا العلمي المجيد ليزدهر الحاضر بالعطاء الكثير المثمر.
ــ ورد في كتابكم (نجوم في سماء الذاكرة) رحلة الى تاروت، ما قصة العلاقة بينكم وبين تاروت، وهل كان الذهاب إلى تاروت رحلة؟
ــ كان الذهاب الى تاروت بحد ذاته رحلة شاقة لكنها ممتعة، لما في هذه الجزيرة من جمال وطبيعة، ولمن كان يقطنها من العلماء والأدباء، وكان لنا فيها أصدقاء ومعارف، و كذلك لدينا هناك أملاك ونخيل، وكنت في كل رحلة أبقى هناك فيها من ثلاثة إلى أربعة أيام، وكان الذهاب لها بالفعل يعد رحلة لما يحمله الذهاب اليها من صعوبة، كونه يتم عن طريق الدواب أو مشيا على الأقدام، وذلك إذا كان البحر في حالة الجزر، حين ينحسر الماء في الجهة الغربية منها، إلا من خور قليل العمق لا يتجاوز عمقه مترا واحدا،
فإذا انحسر الماء عن اليابسة وأصبح جزرا استطاعت الدواب والمشاة السير الى الجهة المقابلة وتستغرق العملية ساعتين حتى الوصول إلى تاروت، أما في حالة المد فلا أحد يستطيع الذهاب إلى تاروت إلا عن طريق السفن التي تستخدم حينها، وهي السفن الشراعية، هذا قبل أن ينشأ الشارع الموصل بين القطيف وتاروت..كما أن الذهاب إلى تاروت يعني برنامجا يوميا، نلتقى فيه أكثر من شخصية، وأبرز الشخصيات التي كنت أسعد باللقاء معها الشيخ عبدالله بن معتوق، لما عرف به من كرم وحسن خلق ومستوى علمي راق، فكان من تواضعه يرحمه الله أنه يحرص على استضافتنا و تقديم الطعام بنفسه، ومشاركته لنا.
ــ وهل هذا ينطبق على صفوى أيضا، التي وصفت زيارتك لها بأنها رحلة؟
ــ أما صفوى فالحديث عنها مختلف جدا، وإن كانت الطبيعة والسجية التي عند أهل تاروت هي نفسها عند أهل صفوى من كرم الضيافة وحسن الخلق، عدا أن الطريق إلى صفوى أسهل منه إلى تاروت.
ــ يلحظ أن كتاب نجوم في سماء الذاكرة يعرض سيرة عدد من العلماء ورجال الدين فقط، ألم تكن لديك ذكريات مع غيرهم، من قبيل الوجهاء والشعراء والأدباء؟
ــ سؤال وجيه، لدي ذكريات ومنظومة علاقات اجتماعية مع طبقات مختلفة من داخل القطيف وخارجها، ولكن رجال الدين هم الذين بقيت لي معهم ذكريات، وبقوا نجوما في سماء ذاكرتي، فالعلماء ورثة الأنبياء، وذلك بحكم نشأتي في كنفهم وارتباطي بهم منذ طفولتي، بالإضافة إلى بيئتي الدينية التي نشأت فيها، تجعلني أرتبط بشدة بهذه الفئة من المجتمع دون التقليل من شأن الآخرين، فكما سبق القول فإنني حين توجهت للتجارة نشأت لي علاقات واسعة مع الوسط التجاري.
ــ عند اطلاعنا على ديوان الزائريات، خطر لي أكثر من سؤال، لعل أبرزها لماذا “الزائريات”، ولماذا غلب عليه الشعر الديني مقارنة بالأغراض الشعرية الأخرى؟
ـ أما بالنسبة للتسمية فهو نسبة إلى عائلتنا عائلة الزاير، أما بالنسبة للشعر الديني، فأتشرف أن وفقني الله لنظم الشعر في النبي وأهل بيته (عليه وعليهم أفضل السلام)، وتناولت بعض المسائل الدينية والأخلاقية، ولكن لم يقتصر الديوان على الشعر الديني، فهناك شعر المديح، والغزل والوقوف عند بعض المناسبات التي تجعلني أتفاعل شعريا معها مثل شفاء شاعرنا الكبير أحمد الكوفي، وشفاء المرحوم الشيخ عبد الحميد الخطي، فضلا عن وجود قصائد في الحكمة والدعوة إلى العلم، وغير ذلك، ويمكنكم إعادة النظر في الديوان لتروا ذلك.
ــ في ختام هذا اللقاء ماذا تقول؟
ـ اقول في الختام، بأن على الجيل الجديد أن يتوجه للعلم وأن يتحلّى بالأخلاق، وان يستفيد من سيرة من سبقوهم في الحياة، ففي تجاربهم علم مستحدث… وأشكركم على هذا اللقاء وأتمنى لكم المزيد من التوفيق والسداد.