بعد معاناتها من قصور التصنيف.. أطباء: ثلثان من مراجعي طوارئ القطيف مكانهم بعيدٌ عنها!

على كرسي انتظار قسم الطوارئ تبقى قابعًا منتظرًا دورك، تتأمل الموجودين معك في ذات الغرفة، وكلما خرج أحدهم كلما اقتربت أكثر من باب الطبيب المنشود، ولكن.. ما الذي أتى بك إلى ذلك القسم تحديدًا، ما هو “الطارئ” الذي منعك من مراجعة المركز الصحي في بلدتك أو انتظار مواعيد العيادات المختصة؟!
هل يعقل أنك أنت، وهو، وهي، وأنا، وكل القاصدين لذلك المكان تحديدًا، هم بحاجة ماسّة للعلاج الطارئ الذي لا يحتمل التأجيل؟!

ثلثان مكانهم بعيد عن الطوارئ!
يقول طبيب الطوارئ هيثم الثواب لـ«القطيف اليوم»: “حسب قراءة لوزارة الصحة، لسيت ببعيدة جدًا، فإن أكثر من قرابة الثلثين لزوار الطوارئ ليسوا بحالات طارئة، وتعتبر طبيًا حالات مستقرة نسبيًا”.

ويعتبر طبيب الطوارئ حسن المعاتيق معظم المرضى المراجعين لقسم الطوارئ من الحالات التي يمكن متابعتها في المراكز الصحية، ولا تستدعي معاينتها في نفس الوقت، مشيرًا إلى أنه بإمكان المريض مراجعة المركز في اليوم التالي بدلًا من زيارة الطوارئ في نفس وقت المشكلة، مستعرضًا أمثلة لذلك كالزكام والسعال وآلام الظهر والمفاصل.

وكان لطبيب الطوارئ حسين الخباز رأيٌ مقاربٌ ضمنيًا لهما، حيث يقول: “تراجع القسم مختلف الحالات من البسيطة إلى الأشد خطورة، ولا أمتلك إحصائية دقيقة عن نسبة كل نوع منها من عدد المراجعين، لكن الكثيرة من الحالات هي غير خطرة”.

قصور طبي وتمريضي
وبين الثواب تدرج الحالات التي تقصد المستشفيات من الحرجة إلى المستقرة، وهي خمس درجات، الأولى والثانية تعتبر إنعاشية حرجة وتحتاج تدخل الطبيب فورًا، والثالثة طارئة وتحتاج تدخل الطبيب خلال نصف ساعة، أما الرابعة فتعتبر مستقرة ولا تحتاج تدخل الطبيب الطارئ ولها أن تنتظر الساعة أو أكثر بقليل، الحالات الباردة وهي الخامسة وتعتبر أكثر استقرارًا من الحالة الرابعة وفترة انتظارها للساعتين وأكثر.

وأضاف أن هذا الحديث طبيًا وليس عمليًا، كما هو مطبق في المؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة لعدة عوامل داخلية وخارجية، أهمها قصور الكادر الطبي والتمريضي، وهذا على مستوى العالم وليس على مستوى المملكة، ففي بعض المدن الأوروبية العريقة يكون انتظار الحالات فيها حتى أربع ساعات ليتم الكشف عليها من قبل الطبيب المختص.

وبين أن هناك أسبابًا عديدة جدًا تشكل عاملًا مهمًا لسبب تأخر توفير الخدمة من الممارس الصحي للمراجع في قسم الطوارئ، قد تغيب عن ذهن المراجع، وقال: “حقيقة هي ليست من شأنه، إذ هو قادم من أجل العلاج، ولابد أن يتم توفير هذه الخدمة من أجله على أكمل وجه، وأتم صورة وبأسرع وقت، لكن العوامل تلك تؤخر العلاج ولربما حتى يكون هناك تقصير”.

وتابع: “أتكلم عن مستشفى القطيف المركزي تحديدًا، قصور الكادر، رغم محاولات الإدارة بتوفير أكبر عدد ممكن من الأطباء والتمريض والمسعفين والفنيين، إلا أن هناك قصورًا لا يمكن إنكاره، وهو المستشفى المركزي والمرجعي الوحيد الذي يغطي من حدود الكويت حتى سيهات، فخدمة هذا الكم الهائل من عدد السكان بعدد قليل من الأسِرة والكوادر، حتما يُتوقع منه التأخير وبعض القصور”.

إلى مركز الصحي أم الطوارئ؟!
ويرى الخباز أن أغلب المرضى الذين يتوافدون على العلاج في قسم الطوارئ، هم من الحالات غير طارئة أو الحالات التي تستدعي زيارة المركز الصحي فقط، مضيفًا أنه على الرغم من ذلك إلا أن المشكلة في توافد تلك الحالات تكمن في وقت عمل مراكز الرعاية الأولية، فالمريض أو من يرعاه يبحث عن علاج في أسرع وقت ولا يتحمل الانتظار حتى موعد افتتاح المركز الصحي، وقد يتعارض وقت افتتاح مركز الرعاية الأولية مع وقت عمله -بحسب حديث أحدهم-.

وأكد المعاتيق أن هناك نظام فرز في معظم المستشفيات، ولكن لم يرق بعد إلى نظام محكم ومتكامل بحيث يتم من خلاله توجيه المراجعين من النوع (غير الطارئ) إلى المراكز الصحية في اليوم التالي، وبه يتجنب تأخير من يحتاج إلى التدخل السريع، كما أن الخدمات المساعدة أيضًا مثل نقل المرضى إلى قسم الأشعة مثلًا أو استقبال المرضى من السيارة إلى قسم الطوارئ أيضًا يفتقر إلى الكوادر البشرية من مسعفين وفنيي طوارئ.

وقال الثواب: “هناك حالات كثيرة جدًا من مراجعي قسم الطوارئ يفترض أن تراجع المراكز الصحية، وهذا يرجع لعدة أسباب كذلك، منها وعي المراجع ذاته بأن حالته طارئة أم لا، ومعرفته بالبدائل عن زيارته لقسم الطوارئ لعلاج حالته، وثقته بالمراكز الصحية القريبة لتوفير علاج حالته، والثقافة والتوعية دورها مهم جدًا، فمعرفة حالته بأنها ليست حرجة هي الخطوة الأولى.

وتساءل: من هي الجهة المسؤولة عن توعية المجتمع لمعرفة متى يزور قسم الطوارئ لمثل هذه حاله؟ أو يمكنه الانتظار لزيارة أقرب مركز رعاية أولية يمكنها توفير كامل العلاج له؟ هل هو دور وزارة الصحة؟ أم الأطباء والممارسين الصحيين بالمنطقة؟ أم الوعي والتعليم الذاتي من مصادر التعليم المفتوحة؟ كلهم لهم دور شريك في هذه التوعية الجماعية.

فقر تصنيف!
يرى البعض أن أقسام الطوارئ في مستشفيات المنطقة تفتقر إلى وجود تصنيف للحالات المرضية قبل الدخول على طبيب الطوارئ، بحيث يتم إدخال الحالة بحسب أولوية الحاجة للعلاج.

فيما يؤكد المعاتيق أن هناك قسمًا مستحدثًا في معظم طوارئ المنطقة ومعني بمعاينة المراجعين من الحالات غير الطارئة.

أما الثواب فيقول: “هناك محاولات جادة من وزارة الصحة لتطبيق المعيار الكندي لفرز الحالات، ولكن الإمكانيات والقصور يجعل أقسام الطوارئ بالمنطقة متخلفة قليلًا عن هذا المسار لفرز وتنصيف الحالات، ولكن هناك فرزًا جيدًا جدًا لا يمكن إنكاره ببعض المستشفيات الكبيرة بالمنطقة”.

بين الـ1 والـ150
إذا كانت أقسام الطوارئ تفتقر حقًا إلى وجود تصنيف للحالات المترددة عليها، فكم الوقت المهدور في الكشف على حالات غير الطارئة مطلقًا؟

يذكر طبيب الطوارئ في مستشفى عنك الخباز أنه يستقبل كحد أدنى مريضًا واحدًا فقط وكحدٍ أعلى قد يصل إلى 50 مريضًا، مضيفًا أنه بالنسبة لنوعية الحالات فمنها ما هو غير عاجل وغير خطر وهذه نسبتها قليلة حسب تقديري، وعاجل وغير خطر وهي الأغلبية من الحالات التي تراجعنا في القسم، وعاجل وخطر وهي نسبة أقل.

وبيّن أن متوسط فحصه لكل مريض يستغرق تقريبًا بين 7 – 8 دقائق للفحص والعلاج، موزعة على 8 ساعات يوميًا مع خمسة أيام عمل أسبوعية على الأقل وأحيانًا ستة أيام (بيوم راحة واحد فقط).

وأوضح أن أقل عدد للأطباء في قسم الطوارئ اثنان، لكن أحيانًا يكون أحدهما مختصًا في الأطفال أو الجراحة، فيكون الآخر المسؤول الوحيد عن كل المرضى الآخرين، وقد يصل عددهم إلى 5 أطباء.

وعن أعداد المرضى لطوارئ مركزي القطيف قال المعاتيق: “يصل العدد في معظم الأحيان إلى 150 مريضًا، خلال 8 ساعات فقط، وغالبًا في فترة الذروة وهي من 10 صباحًا إلى الثالثة عصرًا، وأحيانًا تستمر إلى الساعة العاشرة مساءً، وغالبًا ما يتم الهدوء أثناء منتصف الليل المتأخر إلى الصباح الباكر، كما أن صباح يومي الجمعة والسبت يكون هادئًا نسبيًا”.

وتكلم الثواب عن عدد الحالات في عيادات الحالات البسيطة المستقرة، حيث قال: “قد يصل عددهم إلى 45 مريضًا خلال مناوبة 8 ساعات، حالاتهم من الدرجة الرابعة والخامسة وهي ما يمكن تلقي علاجها بمراكز الرعاية الأولية، أما النسبة الثانية بين 10 إلى 15 مريضًا خلال ذات الوقت وتعتبر حالتهم طارئة، أي من المستوى الثالث حسب التنصيف والفرز”.

وأشار إلى أنه لا يمكن وضع معيار واحد للفحص لجميع الحالات، فبعض الحالات تستغرق أقل من ثلاث دقائق للفحص السريع إذا كانت الحالات مستقرة من المستوى الرابع والخامس، وأحيانًا يحتاج لخمس دقائق لأخذ تاريخ مرضي (حديث) مع مريض آخر، وطلب بعض الفحوصات والأشعة البسيطة لبعض المرضى، لذلك لا يمكن وضع توقيت محدد لكل مريض، كما أن بعض الأطباء أسرع من غيرهم في الفحص وصرف العلاج.

وفصل عدد الأطباء خلال اليوم الواحد بين 15 إلى 16 خلال الأيام الاعتيادية طيلة اليوم، ففي فترات الصباح بين 4 إلى 5 أطباء، والمساء 6 أطباء، والليل 4 إلى 5 أطباء، وفي قسم النساء والولادة يوجد 3 أطباء يتناوبون على اليوم بواقع ثماني ساعات أو تزيد بعض الأحيان، وقسم الأطفال كذلك من طبيب إلى طبيبين في كل فترة خلال اليوم، وقال: “لا ننسى التمريض كذلك فعددهم قليل جدًا مقارنة بالمستشفيات الأخرى وهذا عامل مهم لجعله سببًا لتأخير الخدمة”.

ونوه الخباز إلى نقطة خاصة بعدد الأطباء المناوبين، مبينًا أنه قد يضطر الطبيب العام المناوب للخروج في تحويل مع حالة غير مستقرة، ولا يبقى في الطوارئ أي طبيب آخر عدا طبيب الأطفال أو الجراحة، وهو موضوع خطر وقد يهدد حياة من يأتي خلال هذه الفترة قبل عودة الطبيب العام.

غياب التوعية
وعن أسباب اكتظاظ قسم الطوارئ بمراجعين حالاتهم غير طارئة قال المعاتيق: “للتوعية دور أساسي في توجيه الناس عامة إلى استغلال فرصة وجود المركز الصحي، ودوره في الوقاية من الأمراض، ومتابعة جميع الأمراض المزمنة، كما أن المركز يكون الجهة المخولة للتحويل إلى العيادات المتخصصة في المستشفيات المركزية”.

وأضاف: “كما أن المراجع يجب أن يفهم أنه ليس المريض الوحيد وإنما هناك من هم في حالة أخطر وأكثر حرجًا منه، بالإضافة إلى أن تعريف الحالة الحرجة أنها هي الحالة التي قد ينتج عنها الوفاة أو الإعاقة إن تأخر التدخل الطبي الطارئ لها، وأن معاينة المرضى ليست برقم أو (دور تسلسلي) كما هو الحال في مراجعة أي جهة خدمية وإنما بحسب حالة المرضى ولا يمكن تقديم وقت تقريبي لمدة الانتظار والتي قد تمتد لساعات طويلة”.

واعتبر الخباز أن ضعف التوعية ليس هو السبب الوحيد، ولعله ليس أهم سبب، مؤكدًا أن هناك أسبابًا أخرى يعتبر أن لها الأثر الأكبر، ومنها -حسب قوله- قرب المستشفى من مكان سكن المريض، وعدم معرفة المريض بمكان مركز الرعاية الأولية، ووجود ملف له في مركز صحي بعيد عن منزله، وتعقيد بعض إجراءات نقل الملف للمركز القريب من السكن الجديد.

وأضاف أن حاجة المريض لعلاج سريع في الوقت الذي يكون فيه مركز الرعاية الأولية مغلقًا (الفترة المسائية) من الأسباب أيضًا، كما أن طول فترات الانتظار في بعض مراكز الرعاية، يدفع البعض لاختيار قسم الطوارئ لكونها أسرع حسب توقعه أو تجربة سابقة له، أيضًا توفر الأشعة والتحاليل المخبرية العاجلة في الطوارئ وعدم توفرها في بعض مراكز الرعاية الأولية، وضعف الثقة لدى بعض المرضى أو من يرعاهم في خبرة الطبيب في مركز الرعاية الأولية.

حكايات “طوارئ”
يروي الطبيب المعاتيق إحدى الحالات التي صادفته قائلًا: “أم لطفل ذي 4 سنوات تصطحبه إلى الطوارئ وتُعطى رقمًا لانتظار دورها لمراجعة الطبيب، ولكنها ترفض الانتظار وتحاول رؤية الطبيب بشكل عاجل بحجة أن حالتها بسيطة ولا تستدعي كل هذا الانتظار!، رفقًا بها وبابنها، استجبت لطلبها، وكانت تريد أن تتأكد إن كان ختان الطفل (والذي تم عند ولادته) تم بصورة جيدة أم لا!”.

وعلق بقوله: “قس على ذلك الكثير من الحالات ممن يريد فقط تحويل إلى العيادات”.

أما هيثم الثواب فقد اختصر تلك الحالات بالرشح والزكام، وآلام بسيطة بالجسم، ونزلات البرد البسيطة، ونزلات معوية بسيطة، والآلام المزمنة التي لا يوجد بها أي تطور أو أي أعراض أخرى، وصرف أدوية، لفحص السكر والضغط، وطلب تحاليل وفحوصات ثانوية فقط للاطمئنان.


error: المحتوي محمي