تأتي المخلوقاتُ الدنيا في حالِ ضعفٍ، منها ما يستقوي على ضعفهِ في لحظاتٍ أو ساعاتٍ ومنها ما يبقى أطولَ ثم ينحل عن أسلافه ولكن لا مخلوقَ يبقى مرتبطًا بأصلهِ مثل هذا الإنسان، يحتاج إلى حبلٍ سري في بطنِ أمه وترضعه رحيقَ حياتها أشهرًا وحنانها كُلَّ العمر، فيما يبقى الأبُ العصا واليدَ التي يرتكز عليها الصغير، تخشنُ يداهُ ويسمر لونهُ بحثًا عن القوتِ والملبسِ الذي يترعرع فيه الصغير ناعمًا لا يدري هل تمطر السماءُ نقودًا أو ترمي خبزًا. ينظر إليه الأبُ كُلَّ يومٍ ويقول هذا خليفتي أرى فيه نفسي.
تبقى المسرةُ ويصير الزغبُ ريشًا تهجر به الأبناء أعشاشها، منها من يطير بعيدًا ومنها من تأخذهُ بوصلةُ التكوينِ مرةً أخرى نحو منبعِ الحياةِ ويبقى الوالدانِ لا يستطيعان ملء الأعشاشِ من جديد! لا بد لهما من اليقينِ أن كُلَّ صغير يكبر ونهرُ الحياةِ يجري دون انتظارِ أحد، يجري نبع ماء الحب من الوالدين ما بقيا ويبقى حبلٌ سري ويدٌ من الوهم، تبقى الأشياء، لعبوا بهذا ولبسوا هذا وارتاحوا على هذا جبلٌ من الذكريات!
هبةٌ من الرب أن أعطاكَ حياةً تستطيعَ أن تنالَ فيها ما عجزتَ عن نيله عندما كان يثقلكَ الصغارُ إلى الأرضِ ولكن الفراغَ لا يضمن السعادة، ليست الحياةُ سريرًا وفتش عما يبقيكَ حيًا في الفكرِ والجسد، تضعف قوانا بعد اكتمالها ولا يبقيها قريبةً من الكمالِ سوى مقاومتنا العنيدة لنقصِ فكرنا وجسدنا وتجديدِ ما ماتَ منها.
يتجاذب أوقاتنا الخيرُ والشر وعلينا العثور على الرب بدلًا من انتظار رجوع من مضى، للشيطانِ توأمٌ يلاحق الكبارَ ويدعوهم إلى سوق الخطايا التي فيها من أنواعِ السلعِ ما يشتريه الكبارُ والصغار بأوقاتهم وأموالهم. تعامى عن توأم الشيطان ولا تشتري منه.
تتذكر تلك العصا التي كنت تعطيها لطفلكَ الصغير كي يمسك بها؟ هناك الكثير ممن يحتاجها وقد جاءت اليك من أحدهم من حيث لا تعلم، تمد يدُ الغيبِ لنا العونَ في كل حينٍ في أعمالِ البشر الذين لا نعرفهم، اعطِ عصاكَ من يحتاجَ أن يستندَ إليها.
عندما تفرغ أعشاشكَ من طيورها عُدْ إلى صباكَ واشكر الرب على هبةِ الوقت، ولكن ابقَ ذلك الشيخَ العميق في فكره، تفاهاتُ المدنية الحديثة مثل الغواني تعرضُ نفسها على كُلِّ من تصابى لها.
الحياةُ أمٌ عقوق، إن غبتَ عنها نسيتك ولم تَعُدَّكَ من أبنائها والموتُ أنواعٌ أهونه أن يُكتب نعيكْ، موتُ الغيابِ عن الحياةِ جامعٌ لكل البشر ولكن الموتَ في الحياةِ ليس قدرًا على البشر.
