عندما اطلعت على خبر لقاء صاحب السمو الملكي أمير المنطقة الشرقية مع أسرة جمعية البر بالمنطقة ومركز التنمية الأسرية التابع للجمعية، والذي قدم خلاله عرضا لبرامج وأنشطة المركز، وتوجيه سموه بتعميم تجربة المركز وأنشطته على سائر محافظات المنطقة الشرقية، استشرافا من سموه لدور الأسرة وأهمية بذل الجهود للمحافظة عليها سليمة معافاة بجميع أفرادها باعتبار سلامة الأسرة هي أصل سلامة المجتمع واستقراره وتحقيق التوازن النفسي لأفراده؛ مما يوفر الفرصة لهم لممارسة دورهم الطبيعي في الحياة. وفي غياب مثل هذا الاستقرار الأسري فإن النتيجة الطبيعية هي ما نشاهده من مشاكل يتعرض لها الأفراد والمجتمع عامة.
وقد لفت ذلك نظري إلى قضية هامة تتعلق بضرورة توجيه الجهود الرسمية والأهلية في هذا الاتجاه، لا سيما ونحن نعاني من ضعف الترابط بين بعض أفراد الأسر وصولا إلى حالات الإدمان والسرقة والتسرب من المدرسة والتغيب عن المنزل، وغيرها من المشاكل التي تعتبر قليلة في مجتمعنا نسبة إلى المجتمعات الأخرى، لكنها موجودة ولا يمكن إنكارها، بل إن عدم التعامل معها بجدية وشفافية يؤدي إلى نتائج عكسية، وكما كنت أتوقع فإن الأمر هو محل اهتمام الدولة ممثلة في التنمية الاجتماعية التي طالعتنا الصحف هذا الأسبوع أنها شرعت في تأسيس مجلس الأسرة، والذي سيعمل على تعديل الأنظمة والإجراءات الخاصة بحماية الأسرة وتوعيتها وبذل الجهود التي تتصدى للمشاكل الأولية لحماية الأسر وأفرادها، ومن ذلك الطلاق الذي أشارت بعض الإحصائيات إلى أن نسبة الحالات المسجلة منه في بعض مناطق المملكة ناهزت 40% من عدد حالات الزواج في نفس الفترة، وكذلك تعاطي المخدرات وغيرها من المشاكل التي هي نتائج طبيعية لاضطراب أحوال الأسر وتفككها، ومما يشجع مثل هذه الجهود تجارب بعض جمعيات الزواج في المملكة والتي استطاعت ليس التوفيق بين راغبي الزواج فقط، بل والمحافظة على الروابط الزوجية من خلال جهود التوفيق التي تبذلها. ولعل أبرز ملامح جهود التنمية الاجتماعية في هذا المجال في المرحلة المقبلة إنشاء مجلس الأسرة ليكون هذا المجلس أداة فاعلة لدعم الأسرة وتسهيل مهمتهما في بناء المجتمع، ويكتسب تشكيل المجلس مزيدا من الأهمية؛ لأنه يأتي مواكبا للجهود الشاملة والتطورات التي تشهدها سائر المؤسسات الرسمية والأهلية.
ولا شك أن المجلس سيعنى بكافة العناصر المكونة للأسرة والسبل الكفيلة بالمحافظة على روابط الزوجية وحقوق كل طرف من الطرفين، وكذلك دور المرأة في بناء الأسرة ومستقبلها والتغيرات المستجدة على هذا الدور بما يناسب الحياة العصرية دون أي تجاوز للثوابت الشرعية والاجتماعية والخصوصية التي يتميز بها المجتمع السعودي من خلال الأنظمة التي تحمي حقوق الأفراد والطفل وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة..
وقد أعجبني ما تضمنته تصريحات بعض المسؤولين في هذا الشأن وخاصة التأكيد على أهمية التنسيق بين الجهات الحكومية ذات الصلة ومسؤوليات كل منها سواء كانت الجهات القضائية أو التنمية الاجتماعية أو غير ذلك من الإدارات بما يضمن عدم التعارض في الاختصاصات مما يعيق الإجراءات ويعرض حقوق الأطراف ويهددها.
صحيح أن الهدف الأسمى هو المحافظة على كيان الأسرة، لكن الطلاق مثلا مشكلة إنسانية موجودة في سائر المجتمعات مهما بلغت من تقدم وهي مشكلة كانت قائمة وستبقى ولا يمكن تصور أن مجتمعا سيتمكن من القضاء عليها قضاء كاملا ولكن الواجب هو إيجاد الحلول التي تتعامل مع ما ينشأ عن الطلاق من القضايا ومن ذلك الاحتضان ورؤية الآباء والأمهات لأبنائهم في أوقات محددة وهذا بالمناسبة أحد الأدوار التي يطلع بها مركز التنمية الأسرية التابع لجمعية البر وغيره من المراكز، وكذلك حق الأولاد في التعليم وحق الوالدين في استعادة احتضان أبنائهم في السن الذي يحدده القانون أو الظروف التي يترتب عليها انتقال الحضانة من أحدهما للآخر بحيث تكون الأحكام واضحة لا لبس فيها مما يجعل الحلول أكثر قبولا ويقلل أسباب الصراعات.
ومن المؤكد أن اطلاع الجهات التي ستتولى وضع نظام مجلس الأسرة على التجارب السابقة لدى الدول والمنظمات الدولية والإقليمية المتخصصة في شئون الأسرة ومنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال، سوف يكون سببا في الانطلاق من حيث انتهى الآخرون؛ مما ييسر السبل للوصول إلى الأهداف في وقت أسرع..
وإذا كانت رؤية سمو أمير الشرقية – يحفظه الله- قد تزامنت مع إعلان التنمية الاجتماعية عن خطط تشكيل مجلس الأسرة، وانطلاق ذلك كله من حقيقة أن الأسرة المستقرة هي الأقدر على المشاركة في التنمية المستدامة للمجتمع، وفي غياب ذلك فإن أفرادا هذه الأسر سوف يكونون عبئا على المجتمع وسببا في ضياع الجهود وتبذير الثروات المادية والبشرية.. ومما لا بد من الإشارة إليه أيضا أن تشكيل مجلس الأسرة وغيره من الإجراءات ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسائل لمواجهة التحديات التي تواجه الجهود الرامية إلى حماية الأسرة وتوفير السبل لتجنيبها ما يهددها ويهدد أفرادها من الأخطار، ويوفر لهم جميعا التوازن النفسي والاجتماعي والإعداد العلمي والمهني وسلامة الفكر واعتداله وانتمائه لمجتمعه وحمايته أن يكون فريسة سهلة لكل ما يحاول زعزعة الأمن أو إضعاف الوطن، ولنا مما حولنا من الأمثلة في كثير من بلدان العالم عظات وعبر، والعاقل من اعتبر بسواه.. فلتكن التنمية الأسرية مهمة مجلس الأسرة دون تأخير، فالأمر لا يحتمل مزيدا من الانتظار.
اليوم