كم هو مؤلم حين يتعرض أحدهم للظلم من أقربائه وليس الغرباء، فيتفاجأ بمن يسيء إليه، ومن يتعمد إيذاءه، ومن يظلمه، ويشجع الفتنة والخصومة، ويؤجج الخلافات، ويروج للشائعات؛ حينها يكتشف أن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة.
وبالرغمِ من تعدد المفاهيم والمبادئ السامية التي ينادي بها الدين ويحث على ذوي القربى ويشجع على التواصل والتراحم فيما بينهم، نجد أن الكثير من ذوي الأرحام قد أصيبوا في أخلاقهم وتعاملاتهم فاشتعلت قلوبهم أحقادًا، وأضرمت في أعماقهم نيران العداوة والكراهية بدلًا من أن تسكنها المودة والرحمة، فيكثر العتاب وتزداد المحاسبة، ويرتفع سقف المشاحنات، وتتعدد صور الظلم، فلا يكتفي أحدهم بالقطيعة والإيذاء النفسي، وإنما يتجاوزه ليصل إلى الظلم والاعتداء والغدر وتمني السوء، والافتراء بالكذب.
ولا يخفى على أحد أن كل إنسان يبدأ حياته في أحضان أسرته ورعايتها، وبالتالي يرتبط معهم بروابط متينة، وذكريات هائلة، ولذا فإن أهله وذوي رحمه يمثلون مصدر قوة له، بل إنه يعتبرهم سنده في الشدائد، وحضنه الذي يلجأ إليه عند الفزع بعد الله.
من هُنا كان انطلاقي لأسلط الضوء على جانب من المأساة التي يعيشها الكثيرون بسبب أقربائهم، وقد استمعت للبعض، وأروي هنا حديثهن:
وأبدأ المشوار مع فاطمة، والتي تحكي معاناتها بحرقة وألم، فتقول: ‘أنا وبنات خالتي بنفس العمُر تقريبًا، ولكن كنت أعيش التمييز العنصري، إذ يسمح لهم بكل شيء، وفي المقابل أمنع أنا من كل شيء، حتى لمجرد إبداء الرأي أواجه بصد عنيف من خالتي، حيث كانت تعتبرني مزعجة، ولا قيمة لي في الحياة، وأن بناتها أفضل مني”.. “وكانت تزيد على ذلك بأن تحرض والدتي على تأديبي بالضرب، وهو مع كونه أسلوب ممقوت، أيضًا ليس في محله لأنني لم أذنب حتى أعاقب!”.
وتضيف فاطمة: “كان يجب على خالتي أن تحبب إلى محاسن الأخلاق المتمثلة بالدين الذي هو بريء من تصرفاتهن لا أن تقوم بمقارنتي مع بناتها لتشتعل نار الغيرة في صدورهن”.. “وكان عليها أن تساعد أمي في تربيتي بدلًا من تحريضها على التقليل من قيمتي أمام الآخرين، لتستشعر بذلك لذة الانتصار حين تفقدني ثقتي بذاتي”.
وتختتم فاطمة حديثها بقولها: “اليوم أنا كبرت وفهمت أن خالتي كانت تبحث في أخطاء الآخرين لتحمي نفسها من أي هجوم أو انتقاذ، ورسالتي لها: ستزوركِ أفعالك يومًا فلا تتفاجئي”.
ومحطتنا الأخرى مع قلب سماح الموجوع حيث تقول: “كان لي أبناء عمومة تسببوا في أن يقف قطار زواجي لسنين عديدة، فكلما تقدم لخطبتي شاب خلوق وملتزم يأتي الرفض الشديد منهم، إلى أن تقدم لي شاب يرتضونه هم، وتمت الموافقة عليه من قبلهم وبإصرار شديد، وأنا ليس لي حيلة بينهم، فتم عقد الزواج، ولكني مع مرور فترة زمنية ليست طويلة أكتشف سلوكه المنحرف، فطلبتُ الخلع، ولكن بعد أن نتج عن هذا الزواج أطفال ليس لهم ذنب أن يكونوا ضحية هذا الواقع المؤلم”.. “وما أن تم الطلاق، وإذا بي أتفاجأ بأن أبناء عمومتي هُم أول المصفقين والمتراقصين على جراحاتي، وحين استنكرت عليهم ما أقدموا عليه من إجباري على هذا الزواج وما آل إليه واقعي المؤلم أجدهم وبكل وقاحة يقولون: كنا نعلم مسبقًا بأخلاق وسلوك زوجك”.
وهنا تصرخ سماح بألم: “لماذا كل هذا الظلم؟ وكل هذا الحقد؟ ألهذا الحد نحن نعيش بين ذئاب تنتظر الفرصة لتنهش لحومنا”.. “كم كنت أظن أن الأهل سند وعزوة للبنت، وهم من يلبون نداء الاستغاثة ويتسابقون لإنقاذنا عند غرقنا، ولكني أراهم هم الذين يتسببون في غرقنا وتحطيمنا”.
واختتمت سماح قولها: “لنا رب سينصرنا على كل من يحدث نفسه بظلمنا، وسيأتي ذلك الفجر الذي تشرق بعده شمس الانتصار”.
وفي ختام مقالتي أحب أن أؤكد أنه ليس كل الأقارب كالعقارب، فهناك من الأقارب من يعيش همك قبل فرحك، ولا يبخل عليك بأي شيء إطلاقًا، فقد يضحي بأغلى ما يملك لأجل مساعدتك، إلا أن حديثي في هذه المقالة يتناول تلك الآلام التي يتعرض لها الكثير من الناس في مجتمعنا نتيجة التصرفات الذميمة التي تصدر من بعض الأقارب وتسهم في هدم العلاقات وقتل المحبة والمودة.
وهنا أتساءل: لماذا هذا الحقد الدفين الذي يغمر قلوب البعض من الأقارب، ليوجهوا سهام حقدهم على إنسان تربطه بهم أواصر الدم؟ إنه واقع مؤلم حقًا.