قميص ماركة

دخل ابنها المنزل حزينًا، وعندما سألته عن السبب أجابها ببراءة الطفولة: “صديقي يقول إن قميصي ليس ماركة، وإن بنطالي من الأسواق المتجولة، ما معنى ماركة يا أمي؟ وهل لأن قميصي ليس ماركة لن يلعب معي صديقي مرة أخرى؟ ولماذا لا تشتري لي قميصًا مثل قميص صديقي الماركة؟”.

أسئلة كثيرة دارت في رأس هذا الطفل الذي تجاوز العشر سنوات وهو لا يعرف ما معنى ماركة لأنه نشأ في أسرة ربما فقيرة فلا تملك ما يكفي من النقود لشراء الماركات العالمية المختلفة، أو ربما أسرة تسعى جاهدة لتعليم أبنائها ووضع النقود في مكانها المناسب وعدم التباهي والتفاخر بالملابس لأنها تشكل عنصرًا ثانويًا، إذ يكفيها أن تهيئ الملبس النظيف الجميل المناسب لكل فرد دون الاهتمام بماركته بل بجودته.

في كل يوم يمر على الإنسان تزيد خبرته الحياتية ويستيقظ من نومه بهدف أن يثير إعجاب نفسه لا إعجاب غيره، يعجب بنفسه هو بطموحه أو بما حقق من إنجاز أو باكتساب معرفة جديدة أو خبرة تساهم في تطوير ذاته سواء كان القميص الذي يرتديه بمئة ريال أو بخمسمئة ريال، ولكن وللأسف الشديد البعض يربي فكره على مبادئ مغلوطة تتأصل في محيطه إلى أن تصبح عدوى وبائية تنتشر في وسطه، فأنت تساوي ملابسك التي ترتديها، وصديقك الذي يسير بجانبك لابد أن يكون متألقًا بملابس ماركة جذابة وإلا فهو مثير للشفقة.

إن هذا الخلل الاجتماعي يحتاج لتغيير نظرتنا للناس بمنظار آخر ينزلهم مكانتهم الفعلية وليس بالحكم عليهم بما يرتدون وبما يحملون من حقائب وينتعلون من أحذية فاخرة (ماركة).

والتساؤل الذي يثير الدهشة الآن هو: هل نحن مازلنا تحت وطأة هذا الفكر المتعجرف ونحن من يتصدر الدفاع عن محمد وفكر محمد صلى الله عليه وآله إذا حاربه الآخرون؟! هل لو كان محمد بيننا رفعنا تلك الشعارات الميتة التي تدفن إنسانية الإنسان وتُبقي لنا منه الماديات فقط؟؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: “يا أبا ذر البس الخشن من اللباس والصفيق من الثياب لئلا يجد الفخر فيك مسلكًا”.

ولننظر لسلوك الإمام زين العابدين (عليه السلام)، فقد خرج في ثياب حِسان فرجع مسرعًا فقال: “يا جارية ردي ثيابي فقد مشيت في ثيابي فكأني لست علي بن الحسين”.

لابد أن نأخذ من الدنيا بمقدار ما يمليه العقل المتصل بالآخرة وإلا فإننا نصبّ معتقداتنا ومبادئنا في اتجاه بعيد عن إسلامنا، أو بعبارة أخرى بعيد عن “دين محمد”.

إن أجمل مصاديق القول عندما تواجه أحد أولادك فتقول له عن اقتناع وحب وتأدية واجب كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: “أما ترضى أن يكون لهم الدنيا و لنا الآخرة؟!”، فعجبا كيف نحب محمدًا ونهوى دين مُحَمَّدٍ، وقلوبنا ترتجل الحب لمبادئ غيره؟

ألم يحن الزمن الذي نُنحي فيه هوس الماركات جانبًا وننظر لجمال الإنسان الذي يسكن داخل لباسه؟ لنا الحب وجمال الروح والابتسامة الصادقة، ولهم الماركات المصنّعة التي لن تزيدهم رفعة عند أهل السماء.


error: المحتوي محمي