روح الجماعة

في عالم كرة القدم، ونحن نتابعها هذه الأيام من خلال بطولة كأس العالم، أثبتت الكرة الجماعية أنها الأفضل متعة، والأجدر دومًا بالفوز وتحقيق النجاحات.. فلم يعد يجدي نفعًا ولا نجاحًا ذلك اللعب الفردي أو الاستعراضي، وكذلك التمثيل والتباكي أثناء المنافسة من أجل كسب تعاطف الجمهور، أو استغفال قضاة الميادين.

إنّ ذلك دليل واضح على أن روح الجماعة هي الفعالة دومًا على مختلف التوجهات وهي الأنفع نتيجة والأرفع درجة، وهي المرشحة مقدمًا للظفر بالنجاحات.

إن المصالح الذاتية، والنزعة الأنانية، فردية كانت أم فئوية لا تستقيم أبدًا مع الآمال التي تنشد تحقيق النجاح الحقيقي، بل هي عادة ما تكون سبب الخسارة والفشل، وتجذر الاختلافات والخلافات السلبية، أما الاختلاف بين الجماعة المتوافقة نفسها فهو حالة صحية بطبيعة الحال، وهي حالة تولد الآراء، وتعصف الأفكار من رحم هذا الاختلاف، بشرط البعد عن التعنت الفردي أو الفئوي بين الجماعة الواحدة كما أسلفنا، فلابد أن تختلف الجماعة واقعًا فيما بينها، حتى تنتج من بين ذلك الآراء السديدة.

من يقطع بضرورة الانسجام التام بين مجموعة معينة؛ إنما يحكم بالفشل عليها، فلا يوجد انسجام بالمطلق، ونحن بني البشر مختلفون بطبعنا، وفي عقولنا وقلوبنا وثقافاتنا، والانسجام الوحيد إنما هو الدستور الإلهي والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الدستور الوحيد الذي لا يمكن لأحد تفنيده أو نقده أو تغييره، في الوقت الذي تتغير وتتبدل دساتيرنا الوضعية تبعًا لتغير أفكارنا ورؤانا بدناميكية توافقية مع متغيرات الأزمان والأحداث.

ولا يعني دومًا أن تكون بعض المجموعات العاملة هي المخولة مطلقًا باتخاذ ما تراه إذا كان هناك شركاء آخرون أوكلوا لها مهمة إدارة وتنفيذ المصالح الجمعية، حيث يجب على هذه السلطة إشراك الآخرين في المشورة والقرار، فهو حق ضمني أولًا، وثانيًا هو إثراء للفعالية الواعية التي يراد منها الوصول للرضا الجماعي، عن طريق استشراف الآمال الموصلة للأهداف المنشودة، والتي تهم مختلف المعنيين بالمنظومة المقصودة.

العمل الجماعي مندوب، ونتائجه إيجابية في معظمها، وسلبياته محدوده، وتطوره مضطرد، والعمل الفردي عكس ذلك تمامًا حتى وإن كان ضمن عمل الجماعة، أو مفردًا بالمطلق، فمؤدى الحالتين هو التشرذم، وهو عمل مرتبك لا يستند إلى مفهوم جمعي يمكن الاطمئنان إلى جدواه ومنفعته، وهو إلى الفشل أقرب، إذا لم يكن هو الفشل بعينه وتمامه.


error: المحتوي محمي