العرفات: هوايتي صيانة «الأجهزة الإلكترونية».. والكتابة المسرحية حلمٌ لم يتحقق

أحين نبصر ضوء الشمس نحن المبصرون، ألوان العشب، والأشجار، البحار وأمواجها، أوجه أحبتنا، فلذات أكبادنا، نمارس هواياتنا، نطور منها، نستعير من القمم الشماء بعض حبيبات التراب، لا تعدو الصعاب والعوائق بأصعب من الإرادة في التعلم؛ لارتشاف روعة الحصول على انتشاء ما نشتهيه.. ثمة في الزاوية الأخرى من جسد الإنسان، من ظله، من كانت الإرادة لديه سلمًا يرتقي خطواته رغم فقدان البصر، مسافات ضوء، الألوان من حوله، رونقها، كل الوجوه التي يحبها، الأمنيات، انتشاء لحظاتها؛ لارتواء هواية، طموح، لذة خدمة المجتمع.. مهدي عبدالله العرفات (كفيف كلي) لم تكن الإرادة تكتنفه “هشة”، ليسكبها من روحه، لتأتي إرادة قوية الأنفاس والخطوات، أبصر كل شيء في ذاته وروحه، لعله بحصوله على درجة البكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة الملك سعود، أراد هذا التخصص التاريخ، ليعيش مع الناس بكل الأجيال، ليؤكد أن الكفيف، مكون أساسي من مكونات المجتمع، أراده ليرفض النظرة القاصرة للكفيف بكونه عنصرًا لا يحتاج للشفقة، بقدر أنه إنسان يحتاج ليعيش بين أقرانه كإنسان سوي.

العرفات ذات لحظة بوح من القلب، ليسكنها في القلب، يمنحنا بعض شيء من عالمه، الذي كلما طرقنا بابه، يسبقنا الفخر والاعتزاز بهم، لنتخذهم قدوة حسنة، لاحتضانهم بدمعة ساخنة، تبكينا وتسعدنا في حضرتهم، كلما أشرقوا في روض «القطيف اليوم» لتحاورهم.

س: بداية، عرّفنا على بطاقتك الشخصية والعلمية؟

ج: مهدي عبدالله العرفات، من سكان حي التركية بمحافظة القطيف، العمر 32 عامًا، أعزب، كفيف كلي، وحاليًا معلم عوق بصري في برامج دمج المكفوفين، حاصل على درجة البكالوريوس في تخصص التاريخ من جامعة الملك سعود عام1431هـ.

س: حدثنا عن مراحلك الدراسية.. وإلى أين شرفتها؟

ج: بداية مراحلي الدراسية كانت بمعهد النور بمحافظة القطيف، إذ جاءت أول سنة تمهيدية، بعدها تدرجت في الدراسة، حتى نهاية الصف الخامس الابتدائي، بكونه آخر عام دراسي في معهد النور للمكفوفين، لأنتقل بعدها إلى مدرسة جعفر بن أبي طالب، لأكمل دراستي، مع المبصرين في الصف السادس الابتدائي، انتقلت للمرحلة المتوسطة بمدرسة سعد بن عبادة، حتى وصلت للمرحلة الثانوية، لأدرس في مدرسة القطيف الثانوية، متخرجًا بدرجة امتياز.. وحصلت على المركز الثاني على مستوى المنطقة الشرقية، والتاسع على مستوى المملكة في مستوى العوق البصري، وفي عام 1426هـ، التحقت بجامعة الملك سعود، لدراسة التاريخ، حتى تخرجت عام 1431هـ.

س: لماذا اخترت تخصص التاريخ تحديدًا؟

ج: تخصص التاريخ كان بالنسبة لي رغبة ثانوية بعد الإعلام، الذي كان طموحي آن ذاك؛ فبعد رفضي من قبل الجامعة، كان التاريخ التخصص المتاح للكفيف بقبول فوري.

س: لكل إنسان هوايات يهفو إلى احتضانها وتطويرها.. بالنسبة لك ما هي هواياتك؟ وكيف تنميها وتطورها؟

ج: أبرز هواياتي العزف والهندسة الصوتية، وحاليًا أدرسها في مملكة البحرين بإحدى المعاهد المتخصصة بالموسيقى، بعد أن تعلمت الشيء البسيط عنها في دورات بسيطة في “سونكس استوديوز” وجمعية الثقافة والفنون بمدينة الدمام، وعلى يد أشخاص آخرين من أبناء محافظة القطيف، منهم: الموهوب والعازف طاهر جعفر، وضياء حرب من “استوديو سونكس”.

س: ما هي المهارات التي تتقنها وتمارسها فعليًا؟

ج: التعليم، وخدمة ذوي الإعاقة البصرية ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.

س: ما مدى طموحك العلمي؟

ج: طموحي العلمي توقف عند حصولي على الوظيفة مباشرة، بعد التخرج، لكن قد أفكر مستقبلًا في الحصول على درجة الماجستير.

س: موقف حزين انتابك في حياتك -أبعدنا الله وإياكم عن الحزن؟

ج: حقيقة، ثمة مواقف لن أنساها بسبب قلة الوعي لدى بعض الأشخاص، منها: أنني في أحد الأيام اضطررت لطلب مشوار من أحد البرامج الخاصة -التاكسي-، تحت الطلب وعندما وصلت لمنتصف الطريق، فاجأني السائق بإنهاء الرحلة وإنزالي في وسط الطريق دون مبرر، أو مراعاتي، ثم تركني ومضى؛ رافضًا للنقاش، ولكن سرعان ما تجاوزت الموقف بطلب سيارة أخرى.

س: صيانة الأجهزة الإلكترونية في دنياك كيف توصفها؟ وما أبرز المواقف التي واجهتك والصعوبات؟

ج: صيانة الأجهزة الإلكترونية في دنياي شغف منذ الصغر، ما أن يقع بين يدي جهاز إلكتروني حتى أقوم بتفكيكه، لأتعرف على محتواه، وكيفية عمل كل قطعة وما وظيفتها، حتى تكونت لدي خبرة عن تجارب قمت بها، وتعلمت منها، حتى وصلت لصيانة أجهزة خاصة بالمكفوفين.. حصلت على عدة شهادات في هذا المجال برغبة مني، ولتطوير ذاتي؛ وأول شهادة كانت وقت دراستي في الجامعة، وهي في الـ”ICDL”، والتي تخص المكفوفين، واستخدام الكمبيوتر، بالإضافة إلى شهادتين أخريين، إحداهما تخص صيانة طابعات “برايل”، للمكفوفين، والأخرى لصيانة جهاز إلكتروني خاص بالمكفوفين اسمه “برايل سنس”، يستخدمه الكفيف للقراءة، ولتدوين الملاحظات والكتابة بشكل عام بطريقة “برايل”، ومصدر الشهادات من مركز تمكين في دبي إحدى الإمارات العربية المتحدة، بالتعاون مع إحدى الشركات التي تبيع منتجات خاصة بالمكفوفين وضعاف البصر، وكذلك الخدمات، وأعمل على صيانة الأجهزة في المنزل حتى الآن، كخدمة لإخواني وأخواتي من ذوي الإعاقة البصرية في المنطقة.. إن صيانة الأجهزة، أعني بها صيانة الأجهزة الخاصة بالمكفوفين التي حصلت على شهادة لصيانتها كالكمبيوتر، وما يتعلق بالبرامج الناطقة الخاصة به، والطابعات وأجهزة “برايل سنس”.. إن صيانة الأجهزة، أمارسها تطوعًا لا أرجو منها مكسبًا -ماديًا-، لأنها خير ما أشغل به نفسي وقت الفراغ، كما أطمح لصيانة الهواتف الذكية.. أما عن المواقف والصعوبات فلا يوجد.

س: كونك تمارس صيانة الأجهزة الإلكترونية -الذكية-؛ هل لديك طموح بفتح محل تجاري يهتم بذلك ليكون رافدًا اقتصاديًا لك؟

ج: حتى الآن لا أمارس صيانة الأجهزة الذكية، ولكن لا مانع من التدرب على صيانتها.

س: حدثنا عن وجودك متطوعًا في مركز المكفوفين بمحافظة القطيف ولكم عام ظللت متطوعًا؟

ج: عملت، كمتطوع بمركز رعاية المكفوفين منذ تأسيسه عام 1429هـ، بتدريب وتأهيل المكفوفين على استخدام الكمبيوتر، بقارئات الشاشة والأجهزة الذكية، وطريقة “برايل”، قراءة وكتابة.

س: برأيك كيف يستطيع الكفيف التعايش مع المجتمع ليكون فعالًا اجتماعيًا؟

ج: تعايش الكفيف مع المجتمع يكون أولًا: من قبل أهله ومحيطه بزرعهم الثقة في نفسه، والاعتماد على نفسه منذ صغره، وعدم المبالغة من جهتهم بالخوف عليه؛ ليواجه بنفسه الناس، والمواقف، والظروف دون خوف أو حساسية، وثانيًا: على المجتمع ألا ينظر للكفيف بنظرة الغرابة والاستغراب والشفقة والتعامل معه، كالأصحاء، لأن المبالغة بالتعامل مع الكفيف تشعره أحيانًا بالنقص والعجز عن عمل ما هو قادر أن يقوم به دون مساعدة أحد، بالإضافة إلى مشاركة الكفيف في الأنشطة العامة، كالمسرح ومشاركة الجمهور بالحضور والتفاعل، كذلك حضور الندوات والورش والمشاركة بالعمل التطوعي.. إن المجتمع في الوقت الحالي أكثر وعي من السابق، ويرجع ذلك الفضل للمكفوفين أنفسهم والإعلام، الذي يظهر الكفيف بصورة صحيحة.. ومن خلال هذا الحوار، كلي حب، أسطره بأحرف الشكر لمؤسسة “حياة فن” بمدينة سيهات، التي كنت لقرابة التسع سنوات، أحذر أعمالها الفنية على دعمهم الكبير لي.. ومن القلب أقول: إنه لمن الجميل أن يحضر الكفيف الأعمال المسرحية.

س: ما علاقتك بالقراءة والكتابة؟ أتمارسها بشغف أم أنها تأتي كعابر سبيل في حياتك الثقافية؟

ج: العلاقة بالقراءة لدي جيدة إلى حد ما، وكثيرًا ما أحب كتب السير.

س: هل تمارس الكتابة، بمختلف ألوانها؟ و على سبيل المثال لا الحصر الكتابة الأدبية؟

ج: في الكتابة، أطمح أن أكون كاتبًا مسرحيًا، لكن إلى الآن لم أعمل على ذلك، وستكون البداية حتى توفر ورش تستقبل مكفوفين، دون تحفظ على إعاقتهم.

س: كيف تصف علاقتك بقنوات التواصل الاجتماعي السوشل ميديا؟

ج: علاقتي بقنوات التواصل الاجتماعي ممتازة جدًا، ولدي الحرص على التواجد فيها.. لكن في الفترة الأخيرة، ابتعدت عن “سناب شات و”الإنستجرام”؛ لعدم توافقيتهما مع ميزة قارئ الشاشة في الآيفون، وأعني Voice Over، لكني نشط دائمًا في “يوتيوب” و”وتسآب” و”تويتر”.

س: سؤال تتمنى الآن أن يطرح عليك في هذا الحوار؟ وبماذا تجيب عنه؟

ج: سبب فقدي للبصر وإغلاق عيني اليسرى بهذا الشكل، لأجيب: أن فقد البصر، كان بسبب أورام في الشبكية بالعينين، بعد عام من ولادتي، إذ استأصلت الشبكية للعينين منعًا، لانتشار خلايا هذا المرض، وأصبحت العينين مجوفتين، وعن إغلاق عيني اليسرى، لأجيب: بأنه بسبب ورم ساركوما، أصاب محيط العين قبل عامين، وعلى إثره، تم استئصال جزء من العظم.

س: كلمة أخيرة لك؛ ما هي؟ ولمن توجهها؟

ج: ختامًا: شكرًا أخي جمال على اختيارك لي لأكون ضيفك في هذا الحوار الشيق، والشكر موصول إلى الداعم النفسي والمعنوي، حيث إن الشكر قليل في حقهما؛ والداي -أطال الله في عمريهما-، والشكر موصول لكل من ساندني وشجعني، ووقف بجانبي، من الأصدقاء والمجتمع ككل، والحمد لله والشكر له على كرم نعمه.

فيديو:

 


error: المحتوي محمي