أنى للحياة؟!

عانق قلمي الصمت فانساب الحبر متثاقلًا على صفحات الزمن ليسطر بعض الكلمات التي أغنتني عن الكثير من السطور في رسالة حُبلى بالأسى لما يدور من أحداث الوهن لتاريخ الحياة، واستنطق القلم تلك الصفحات مبتدئًا رسالته بما هو آت:

لقد عاشت المرأة في القرون الخاوية فاقِدة الهوية، منزوعة الحريَّة، لا قِيمةَ لها تُذكر، بل كانتْ تُقاسي ألوانًا من الظُّلم والاضطهاد والعبودية في ظل تعاقب الحضارات؛ الإغريقية والرومانية والفارسية والهندية، ثم اليهودية والنصرانية.

إلى أن أنبلج نور شمس الحضارة الإلهية المحمدية التي ناصرت المرأة ورفعت مكانتها واحتضنت قضاياها واعتبرتها الشريحة الأساسية للمجتمع ومكنتها من جميع حقوقها المالية والسياسة والاجتماعية والتعليمية والمدنية وأسدلت عليها رداء حجاب القداسة لصيانتها وحجب أنوثتها لا حجب إنسانيتها.

وها هي المرأة في الألفية الثالثة بعد أن حصلت على ما تريد، واحتفلت بيومها على المستوى العالمي، وتمكنت من تحصيل حقوق تفوق توقعاتها، إذا بها ترجع بخطوات لزمن الظلام وترفع راية القبول لانتزاع مصدر قوتها وسر امتداد عظمتها، وعلى يد بنات جنسها.

حيث إن البعض منهن يتجردن من القيم والمبادئ والحياء لتحقيق المآرب السرطانية للقوة الاستعمارية الساعية بدهاء لاستخدام المرأة كمعول لهدم الحضارات الراسخة التاريخية.

والبعض منهن يتفاخرن بذوبان الهوية في ظل دياجير ظلمة التحضر سعيًا وراء الشكليات والصّرعات متناسين قوة التحضر بالحجة العقلية والفكرية.

والبعض منهن يتخلين عن مسؤولياتهن كأم أو كزوجة، كما يعزفن عن تقديم التضحيات لتربية الأجيال وبناء الأسرة لمجتمع حيوي متماسك بحجة حب الذات اللامنطقية.

والبعض منهن تقبل أن تكون مجرد سلعة تسويقية للمشاهدة والعرض أو تصبح صورة إعلانية مبتذلة لعرض جسدها الأنثوي لمزيد من الجذب والإثارة بواقع الرغبة الحيوانية.

واختزل القلم تلك الرسالة بتذييلها بلون من ألوان النداء القريب البعيد:

معذرة أيتها المرأة، أنتِ سر تناغم الجماليات في تاريخ الشمم، ولقد تربى على راحة كفيك عظماء الرجال الذين بنوا هرم الحضارات، فلا تكوني الضحية الخاسرة بسهولة الانقياد إلى ألوان الإغراء التي يضج بها المجتمع المتناقض، بل تربعي على عرش الرقي والعلو لبلقيس، وأنتِ معتزة بدينك السماوي المخاطب لكينونة الإنسان، ومدركة بعقلك الواعي ما يبني ذاتك ويرقى بمجتمعك للسلام، ومنفتحة بفكرك المتوازن لصنع معجزة الابتكار، ومتجلببة بقيمك العالية لتخليد إنجاز براءة الاختراع.

فليستقم ظهرك من الانحناء كي لا ينحني تاريخ الحياة فأنى للحياة أن تكون بعدكِ.


error: المحتوي محمي