ما هي تلك المردودات والعطايا التي يظفر بها من يشد الرحال نحو المراقد المقدسة للأنبياء والأئمة المعصومين والأولياء الصالحين، بما يصقل شخصيته ويصوغها وفق الفكر والقيم التي دعا لها أولئك العظماء، بما يستشعر معها المؤمن بزاد معنوي ناله؟
لا يتصورن أحد أن زيارة العتبات يراد منها مجرد الوصول ونيل الثواب المترتب على ذلك، بل تلك القبور شواهد على مدرسة التقوى والقيم الأخلاقية التي امتلكها قادتنا الصالحون، فمن أراد منهجًا تكامليًا يرتقي بروحه في آفاق السمو والألق في الفكر الواعي والاستقامة السلوكية، فليستحضر على أعتابهم سيرتهم الزاكية ومسيرتهم المعطاءة في جميع أبعاد الحياة وميادين العمل والحوار المتحضر العقلاني.
نقطة تحول وتغيير إيجابي يحياها الزائر بعد جلسات تأمل وتفكير ملي في أحواله، يلاحظ فيها أفعاله وكلماته راجيًا وراغبًا في قوننتها وإحكامها وفق لجام العفة والصواب، ومتخليًا عما تبين له من أخطاء يرتكبها ومعاصٍ يقارفها، فيخالطه شعور الندم والاستحياء من فعلها وعين الله تعالى ترقبه.
الجنبة العقائدية يستحضرها في ذهنه ولا تغيب عن وجدانه وعقله، فعقيدتنا الحقة في الأولياء أنهم يسمعون كلامنا أحياءً عند ربهم، وعتباتهم المقدسة حينما نقدم عليها فكأننا وقد رجع بها الزمان إلى عهد حياتهم الشريفة، فنسمع بآذاننا الواعية حكمهم وأقوالهم الخالدة، ونوجه فكرنا بمواقفهم لنقتدي بهم ونجسد قيمهم في زماننا، وإلا فإن الوجدان المتبلد والعقل الغائب عن الشعور بسيرتهم، وفقدان العزم الأكيد على اتباعهم في المسير التكاملي والترقي في درجات المعرفة والورع، يعني عبادة خاوية وزيارة تغيب عنها الروح التوجيهية.