نمْ يا أبي

باقٍ وحزن الراحلين مصابي
وحدي ألملم دمعتي وعذابي

باقٍ ورحلتكَ الأخيرة ما انتهى
فيها السؤالُ فهل تردُّ جوابي

صمتٌ على قلق الغياب يضمهُ
جسد أحاطَ بعزةٍ أصلابي

ذهب الحبيب فما له من رجعةٍ
عيد يمرُّ وآخر بغيابِ

يا ربّ خففْ من مصابيَ لحظةً
فالموتُ يسرق من دمي أحبابي

والموتُ يفنى مثل أيّ كريهةٍ
وعلى الحياةِ قلوبنا بحسابِ

دقات قلبٍ لا يزال رحيقها
نبضًا يُزيّنُ منتهى الأسبابِ

تنمو الحياة وداخلي عشب المكا (م) نِ، معانقًا حلمي وظلّ صِعَابي
***
هذي الدموع على الرمال بكاؤها
بحر يسيل مناديًا لصحابِ

هذا الثرى ما زال يحضنُ مؤمنًا
والمَيْتُ ظَلّلَ حزنَهُ بشبابِ

يهوى السجودَ برغم موتٍ أبيضٍ
ماءً تساقطَ مثمرًا بسحابِ

والشوقُ في قبر العزيز حكاية
نسجتْ فصول سمائها بخطاب

تَعِبَ النداءُ من النداءِ، فهل له
صوت يجيب أحبةً بجوابِ

قطعتني برحيلِ عمركَ يا أبي
فهل الرحيلُ مسافة بركابي

هذا الرحيلُ كما الظلام مخيِّم
في خاطري، وعلى مداه غيابي

تشتاقُ عُمْرَكَ ذي الصلاةُ وأهلها
منكَ الدعاءُ مُزيّنًا محرابي

كمْ سبّح العشقُ الممدّدُ في فمٍ
صاغ السما من حبِّ لفظِ مُذَابِ

أنواره الأكوان ترسم أنجمًا..
قَبَسًا، فعشقًا صاخِبًا بغيابِ

***
يا ربّ خففْ من رحيلِ أحبةٍ
إن الحبيبَ معانق لترابِي

رحل الذين نحبهمُ في لحظةٍ
والعيد يمشي دون أي إيابِ

هذا أبي نجم يضمّ ضياءَهُ..
كونُ الزمانِ، ومنتهى الألبابِ

حلمي تجمّعَ في يديه كأنه
نور يضيء مسافتي وعتابي

علمتني حرف الحياةِ وحلمها
ونثرتَ روحكَ في دمي ومآبي

ورأيتَ ظلّ الريحِ في خطواتنا
ومآبكَ الحلم الرحيم رحابي

ابتي العظيم على الحياةِ ولدتّني
فوجدتُ حلمي ضاحك الأعشابِ

وحملتني شمسًا يداكَ صباحها
ووضعتَ في ظمئي الفقير شرابي

وعن الظلامِ حميتَ كل جوارحي
وعلى دموعكَ سال مني كتابي

لله دركَ يا أبي، فلكم مضى
وقتُ الرحيلِ مشرّدَ الأسبابِ

عاتبتُ آمال الحياة بهمسةٍ
ردّ الزمان معاتبًا لعتابي
***

عيد ستحيى بعد عيدٍ مثقلٍ
والآيُ في قبرٍ يسليَ ما بي

هذا التراب على جبينكَ تربة
فيها “الحسين ونسله” وعذابي

نمْ يا أبي فهناك أحلى برزخ
للمؤمنين..، لمجدهم..، لثوابِ

نمْ يا أبي، فالموتُ أقصَرَ عُمْرَهُ
يفنى الغيابُ وأنتَ نبع شبابي

باقٍ بسجدتكَ المهيبةَ هاهنا
يُمناكَ تُمْسِكُ حرفها بكتابِ

باقٍ يعانقكَ القنوتُ وسبحة
والليلُ شكّلً دمعةَ الأعنابِ

أبتي الذي ما زال يرسمُ عشبه
لونًا يشكّل لوحةَ الأطيابِ

لون الخلود على يديه منارة
نثرتْ بألوان السماء متابي

ـــــــــــــ
1- كتبها الشاعر بمناسبة وفاة والده عميد عائلة آل نمر الفقيد السعيد علي بن عبدالله بن سلمان آل نمر التي كانت يوم عيد الفطر المصادف ليوم الجمعة من عام 1439


error: المحتوي محمي