في قفص الاتهام: “وطهّر قلبي من غياهب التهمة”
لماذا ينطلق البعض في أحكامه وآرائه حول الآخرين من حيثية سوء الظن وإلصاق الاتهامات الجزافية بلا دليل، بل هي محض خيالاته وتصوراته التي لا تمت للواقع بصلة، فينظر دومًا من الدائرة السوداء لهم؟
النفسية المريضة التي تحيا في وسط ركام الهواجس والخيالات الوهمية لا يمكنها أن تبصر النور ولا الجانب المضيء من تصرفات الآخرين، بل تسلط بصرها على الاحتمالات السوداوية ولا تعطي أي احتمال يبعد الاتهام، ومثل هذه الحالة يحتاج هؤلاء المرضى لعلاج نفسي يخرجهم من شرنقة الأوهام.
وآخرون يرمون الاتهامات بكل بساطة وبلا مراعاة لحقوق الآخرين ولا إلقاء بال لما يترتب على اتهام الغير بالباطل، هذا التصرف تجذر في سلوكياتهم بسبب التربية الخاطئة التي تلقاها كل واحد منهم، أو بسبب البيئة المحيطة به أسريًا أو أصدقاء السوء الذين يتصفون بذلك فيأخذه منهم، ومثل هذا الشخص يمكنه التخلص من هذا السوء من خلال تذكر ما يلحق المرء المتهم بالباطل من أذى نفسي وتخريب لعلاقاته، فميزان التعامل مع الناس هو أن تحب وتكره لهم ما تحبه وتكرهه لنفسك، فمن منا يرغب في تناول الغير له بسوء الظن والاتهامات الباطلة، فليعامل غيره على هذا الأساس ويبتعد عن هذا الطريق المظلم.
كما أن البعض يحسبه نفسه بوقًا إعلاميًا يحب أن يسجل سبقًا صحفيًا باكتشاف خبر أو سر معين، فيعمل على تكشف عورات الناس والبحث عن أخطائهم وتسجيل الهفوات عليهم؛ ليرتب عليها خيالاته الواهمة ويرمي الغير بسوء الظن والشكوك المريبة؛ ظانًا أنه بإقحام نفسه في حياة الآخرين بهذه الطريقة الخاطئة يعد من العظماء الذين ينجذب لهم الغير ويحبون الالتصاق بهم والتواصل معهم.
ولعل البعض يترجى من اتهام الآخرين بالباطل والظنون الكاذبة أن يبعد نفسه عن دائرة البحث عن أخطائه والانتقاد لسلوكياته، فهو من نصب نفسه مصدرًا إخباريًا في تقييم شخصيات الناس!
الظنون السيئة لا تجلب إلا الدمار للعلاقات الأسرية والاجتماعية وتثير الضغائن والكراهيات، وكفى بها فتنة تتوقد فتحرق الأخضر واليابس ولا تذر مودة إلا أفسدتها، فتسود المشاحنات والقطيعة علاقة الأرحام والأصحاب وتمزق النسيج الاجتماعي.
ولا يجد الشيطان الرجيم سبيلًا لتفتيت وحدة المؤمنين ونصب العراقيل المانعة من تكاتفهم كمثل الاتهامات الباطلة، فإنها تبذر الفرقة والتخوين وفقدان الثقة وتقسي القلوب وتمنع التراحم بين الناس، فهل من أذن واعية تستشعر خطر الاتهامات؟!
الأحكام المسبقة على الآخرين ومحاسبتهم على النيات منافذ للظنون السيئة، واحتمال الخير والحسن وترجيحه على احتمال السوء لكلمة أو فكرة أو تصرف من أحد يبعدنا عن الاتهامات الباطلة، ويجنبنا تصديق ما نسمعه من كلام سيئ سريعًا، ويدفعنا نحو التماس العذر وتخريج الخير لفعل الغير.
نحن أمام ظاهرة سلوكية سلبية مدمرة وهي الظنون السيئة وافتراض الشر والمكر والعدوانية في الآخرين، مما يقلل من منسوب الثقة والتعاون والتكاتف بين أفراد المجتمع.