الخطر الدائم

نحن في خطرٍ دائم لا يمكن أن نتجاهله، وعلينا أن نتشهد الشهادتين كل يوم قبل الخروج من المنزل، كما أن علينا كتابة وصايانا نحن الرجال بالذات، وأن نعمل لآخرتنا كأننا نموت اليوم أو غدًا أو بعده، فلا ندري متى هي ساعتنا، والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه السياقة المتهورة والطائشة للسيارات، والبعيدة كل البعد عن أي نظام وذوق وفن وإتقان هي التي تجعلنا نضع أيدينا على قلوبنا، خوفًا على أنفسنا وأهلينا ومن يعز علينا، وكذلك على من نعرف ولا نعرفه، لأن استمرار هذا الوضع من الانفلات الخطير لهؤلاء الذين لا يكترثون بالآخرين، فضلًا عن أنفسهم أثناء القيادة سيكون مؤداه بلا شك فقدان السيطرة عليهم، وبالتالي تكون الروح الإنسانية لدى هؤلاء من الرخص بحيث لا يهم الواحد منهم لاحقًا لو أنه دهس أحدًا في الشارع متعمدًا لسبب أو لآخر، إن نظرة سريعة لعدد حالات الوفاة والإصابة في وطننا العزيز، ولسنة واحدة فقط تعادل عدد الذين يسقطون في بعض الحروب تفصيلًا وإجمالًا، ومن خلال التجربة اليومية والتي عانيتها شخصيًا وكانت سببًا رئيسيًا لاتخاذ قرار التقاعد المبكر من جهة عملي، وجدت أن القيادة على الشوارع العامة بالذات وأقصد الخطوط السريعة أصبحت نوعًا من أنواع ألعاب التحدي الخطيرة وهي السياقة التي تكون الهزيمة فيها بالإصابة أو الوفاة، والأمر ليس مبالغًا فيه، ويمكن لأي أحد أن يتابع ذلك ليرى بأم عينيه ما الذي يحصل على هذه الخطوط من جنون لا يمكن تصديقه ولا حتى في صناعة أفلام الإثارة والرعب.

وعلى الرغم من لائحة العقوبات الصارمة التي أصدرتها الدولة ممثلة في الجهات المرورية المسؤولة، والتي سجلت سابقة لافتة أيدها المواطنون دون تردد إلّا أن ذلك لم يفلح حتى الآن في الحد الأدنى الذي نستطيع القول إنه أثّر فعلًا في هؤلاء، وجعلهم يلتزمون بالقيادة القانونية، والذي يجعل المواطن يأمن على نفسه وأهله من هؤلاء، ولا نظن ذلك؛ لأن أولًا هم لا يعرفون معنى القانون حتى يتقيدوا به، ولم يتعلموا القيادة أصلًا على أصولها من خلال مدرسة القيادة والتي من الضرورة تغيير منهجيتها لتكون فترة التعليم فيها أطول وأكثر جدية وصرامة وباختبارات دقيقة، وكذلك بها محاضرات توعوية وأخلاقية وتربوية واجتماعية ودينية، كل ذلك حتى نضمن سلامة الأرواح وبالخصوص أرواح الشباب أنفسهم والذين نخسرهم بغمضة عين من خلال عدم الشعور بخطورة ما يقومون به، واسترخاص أرواحهم وأرواح الآخرين.

إن تطبيق اللوائح الخاصة بالمرور هو خير وسيلة لردع المستهترين بسلامة المواطن، ومنه الحرص على عدم التغاضي عن أولئك الأطفال الذين يقودون السيارات دون الالتزام بالسن القانوني؛ مخترقين بذلك هم ومن يعولهم الأنظمة المتبعة والتي تؤدي أول ما تؤدي إلى الفجيعة في خسارة فلذات أكبادهم.

إن علينا نحن المواطنين أيضًا أن نشارك الدولة في هذا الاتجاه، واتباع وتنفيذ الأوامر الصريحة بخصوص قانونية السماح للأبناء أو البنات حاليًا أيضًا بالسياقة، كما أن علينا توعيتهم بالذي يجب اتباعه من قبلهم واحترام الطرقات وإعطاء كل ذي حق حقه، فالشوارع ملك للجميع والتعاليم واضحة في كل شارع رئيسي وفرعي، ويجب علينا أولًا وأخيرًا أن نؤكد خطورة هذه المركبة توازيًا مع أهميتها، والتي ربما نفعتنا كما نحن نأمل ونتمنى، وربما فجعتنا بسبب إهمالنا وبالتالي إهمال أبنائنا فيما يؤدي في نهاية المطاف إلى خسارة نندم عليها مدى العمر.


error: المحتوي محمي