من وحي دعاء اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان

المحبة الواعية للأولياء: “اللهم اجعلني فيه محبًا لأوليائك”

ماذا يعني مفهوم الحب ومشاعر الانجذاب والود لهذه الشخصيات العظيمة، بحيث يعتبر ذلك مددًا ورافدا تربويًا لشخصية الإنسان وتكاملًا فكريًا يطل على سيرتهم وكلماتهم، وصقلًا لسلوكياتهم بالاستقامة والثبات في خط مواجهة المغريات والشهوات ومواجهة ألوان الابتلاءات؟

أولياء الله الصالحين مفهوم شامل للأنبياء والأئمة وسيدة نساء العالمين والصالحين ممن سار على نهجهم الفكري والإيماني والتربوي، ومحبتهم لا تعني توجيه المشاعر العاطفية البحتة لهم مع مخالفة واضحة لسيرتهم وعطائهم، ولكنها المحبة الواعية الرشيدة التي تقوم على تحرك فكري يبحث ويتعمق فيما كانوا عليه من تقوى وخلق رفيع وروح جهاد وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فما وهنوا وما استكانوا في طريق رفع راية الإصلاح والعدالة.

وهذا ما يحرك همة المؤمن وإرادته نحو التلحف بالاستقامة وتحمل المتاعب والشدائد وألوان الابتلاء، فلا يصيبه الكلل واليأس والتقهقر بل يزداد صلابة في طريق الهدى لإيمانه بالله (عز وجل) والثقة بتدبيره، فالاتباع لنهج الأولياء والاقتداء بمسلكهم هو المحبة الحقيقية النابعة من عشق الطهارة الروحية والرفعة والسمو الأخلاقي والاستظلال بعبوديتهم الحقة لله (عز وجل)، والتي جعلتهم يفهمون حقيقة الدنيا الزائلة فلم تتعلق أفئدتهم بشيء من حطامها وزينتها فزهدوا فيها ويمموا نحو السمو الروحي.

محبة الأولياء طريق نوراني يبجّل ويعظّم جمال الانقطاع إلى الله تعالى وضياء الطاعة، فينير العقول حكمهم وأقوالهم التي تنمي القدرات الفكرية وتوجهها نحو الاستناد للبرهان والتأمل، فتكون أفعالهم قبلة للسالكين والسائرين في طريق التكامل، فجمال التعفف والترفع عن الفواحش والقبائح وتجنب الانغماس في الشهوات يجذب الأرواح الطاهرة، ويسنادهم على ملازمة التقوى واستحضار سيرة الأولياء الصالحين، فما كان يتمتع به الأولياء من فضائل وقيم أخلاقية رفيعة التي دعا لها الأولياء وجسدوها في واقعهم وسيرتهم العطرة، لهي منظومة سلوكية رائعة تقود نحو بناء شخصية الفرد السوي و المعطاء، وهذا ما يترتب عليه رفد المجتمع بعلاقات إيجابية بين الأفراد وتحولها إلى طاقات تسهم في تنميته وازدهاره، فقيم السلام والعدل وإباء الضيم والكرم وغيرها تمثل منابع ومناهج الحياة السعيدة، وتجنبنا إرهاصات الانحلال والتفلت وتفكك عرى العلاقات وبناء الروح المادية المقيتة عنده.

منهجية الأولياء تدعو إلى الطهارة الروحية والسعي نحو درجات الرقي والكمال وتهذيب النفس ومحاسبتها وعقد العزم على التخلي عن العيوب والخطايا، والتربية الأخلاقية هي الوجه الباطني لمحالفة محراب الطاعة والعبودية، فيتحلى بتلك الحالة من الطمأنينة والأنس بذكر الله تعالى، وتعاف نفسه وتسوء من ارتكاب الذنوب ورائحتها النتنة، وتنطبع تلك الأسرار والغايات العبادية على خلقه وسلوكه، فطريق القرب من الله تعالى يعني التخلق بأخلاق الله تعالى وطريقة تعامله مع عباده حتى العصاة منهم، وهذا ينبئ عن طيبة وتواضع وعفة عند المؤمن والمؤمنة، وينزه لسانه عن الآفات والزلات وخاصة الغيبة والنميمة، ومن يطلب تجاوز الله (عز وجل) عن ذنوبه والعفو فبلا شك أنه يتعامل بروح التسامح وخلو القلب من الأحقاد مع من أساء له، هذا هو فحوى منهجية الأولياء فمن أحبهم تمسك بالقيم والرشد الذي دعوا إليه وجسدوه فعلًا.


error: المحتوي محمي