لحظة صدق مع النفس

حينما يقحمني الحديث عن النفس وبلحظة صدق أضيع وأشرد في متاهات البوح والصراحة وتنتابني الحيرة، ولأن في داخلي صخبًا ثائرًا رغم سكوني الخامد لن أسمح له أن يحطمني! ومن هنا أعلن هجر الألم والحزن والبكاء دون همس أو صوت، ولست أدري كيف أمر ما أخرس نفسي؛ أهو الحزن أم الألم، ولكن لن أسمح له أن يسكنني! فأنا بارعة في ترجمة الحزن وإعطائه مساحة ليرفعني وحتى لا يسقطني! وماذا يكون هو بالنسبة لي حتى يهزم نفسي! والحديث عن لحظات الصدق هل هو كلام أم إحساس؟

وعلى غير عادتي عند جلوسي في مكتبتي لم أصحب صديقيّ الورقة والقلم، وأنا في خلوتي أحب دائمًا أن أكون وحدي لا يشغلني عن أفكاري الخاصة حديث أو صوت سوى الصمت، حينها أشعر كأني معزولة عزلة اختيارية عن كل ما يحيطني من مؤثرات أخرى، فأشعر بسمو عجيب في روحي ونفسي، اعذريني يا نفس سأحكي حكايات ألمي لأمحو ابتسامة الكذب، رغم أن قمة التحدي أن تبتسم وفي عينيك ألف دمعة!

بدأت فكرة الموضوع في ذهني منذ فترة، فأنا أخشى أن تمضي الدنيا بأيامها دون أن أسجل لحظة صدق واحدة فيها، وأعترف ما أكثر لحظات صدقي، فلحظة الصدق برغم عذوبتها يتخللها الألم ولكن لها مذاقًا خاصًا! وهكذا يا نفس تمسكي بلحظاتك الصادقة وعيشي تلك اللحظات بكل صدق وشفافية، حيث يمر المرء في حياته بلحظات كثيرة لحظة فرح ولحظة حزن وغيرها من اللحظات التي نمر خلالها في دورة حياتنا، ولكن نادرًا يمر الواحد منا بلحظة صفاء مع ذاته يتأمل ويبكي ويندم، فلحظة الصدق هي لحظة ندرك فيها أنفسنا ولابد من الوقوف أمام النفس بكل وضوح دون مراوغة.

النفس البشرية يصعب التعامل معها فهي متقلبة وذلك حسب أهواء وأمزجة الناس ولكن، أتصدق نفسك وإحساسك أم تطلق عنان أذنيك للآخرين؟ مثلًا عندما تقوم بعمل إنساني خالص لوجه الله لا عليكِ يا نفس لو اعتبره الآخرون بغرض الشهرة، وحتى لو اعتقدوا عملك مضيعة للوقت والتسلية فلا تزعجك يا نفس أهوائهم، فهناك عدة أغراض مجتمعة، لماذا لا يظن أنه مساعدة لخلق مجتمع أفضل، ولنقول لتفيد غيرك بفكرك وعلمك أو لتشعر بقيمة موهبتك ولا بأس لتكسب صداقة جديدة! وهل هناك مشكلة لو أتحت لنفسك بالتعرف عليها أكثر من خلال عملك هذا! وحينها نفترض أن تسعد نفسك. سأختصره بأنه أجمل لحظات صدق النفس وهو فعلًا يمثل التوازن النفسي والتصالح مع الذات، وهما البداية والأساس لأي نجاح للنفس!

هل سمعت عن العصافير تنتظر ثمنًا لغنائها أو الأشجار تعاتب من يرمي الحجارة عليها لتسقط ثمارها؟ وهل هناك أيضًا مبرر لغناء العصافير المغردة ورمي الأشجار المثمرة؟ أم يعتبر ذلك نفاقًا اجتماعيًا؟ لندع النفس تفعل ما تشاء وتعطي ما تشاء وتناجي بما تشاء، وهنا أكتفي بالحديث عن نفسي وأنا أدرى من غيري! وأتذكر هنا قول أحد الشعراء وللأسف كعادتي دون أن يحضرني اسمه: “النفس تبكي على الدنيا وقد علمت.. أن السلامة فيها ترك ما فيها”.

سأتحدث عن لحظة الصدق ولكن بأي لغة، ولكن سأصمت قليلًا لأنصت لدقات قلبي فهي أبلغ من ألف كلمة ولنعتبرها لحظة صدق مع النفس. لحظات الصدق في حياتنا تأتي عند الاستماع لآية قرآنية تأسرنا، أو سماع خبر يسرنا أو يؤلمنا أو مواجهة موقفا ما يلهمنا. دائمًا أتذكر لحظاتي الصادقة الحقيقية، ففراق شقيقي الله يرحمه لا تزال ذكراه في فؤادي تنبض وفراقه يؤلمني، وأعتبر حزني عليه من أبلغ وأصدق لحظاتي! هل فعلًا أصبحت قلوبنا قاسية وتعودت على قصص ومآسٍ حزينة!

أدرك أن البعض لم يفهم ما أقصده وربما تكون حروفي تائهة غامضة، وقد تكون جريئة، ومع ذلك سأبتسم بعناد وقد أصرخ من الفرح، لا وربما أبكي أحيانًا بصمت، ولن يتوقف إحساسي في أي لحظة ما زال القلب ينبض بالحب داخلي! وأقسم بالله بحاجتي للحياة مع الناس ونفسي! أرغب بمعرفة السبب الحقيقي للفرح حد ذرف الدموع! أتظن هذا نرجسية أم غرور؟ لا ليس من هذا كله وليكن الرد: فصدق إحساسي حاضر معي.

هذه إحدى لحظات صدقي والتي أمارسها بنفسي بصدق وبثبات وإلا قد يسبب لنفسي الألم! ما ليس لديَّ من هموم متناثرة، فهمومنا ونفوسنا تحتاج الدخول إلى غرفة الإنعاش، ولم الدهشة؟ هل الصدق والإخلاص مع النفس حرام أم ممنوع؟ هل فقدنا اللحظات الصادقة في حياتنا؟ هل هو قدرنا ألا نكون صادقين مع أنفسنا! آملة ألا تفهموني خطأ ولقد عاهدت نفسي أن أكون صادقة، ومن المؤلم أن نجد في زماننا من يفتقد الصدق والإخلاص، وأين هو الإخلاص؟

سامحيني يا نفس لو أدركتِ صمتي وهذا لا يعني جهلي بما يدور حولي، لكن غير ذلك لا يستحق كلامي. لأخرج عن ذاتيِ وفي لحظة الاختلاء بالنفس لممارسة النقد الذاتي ولمحاسبة نفسي بصدق. وهنا يقفز عقلي ليحيد أحاسيسي وعواطفي ويقدم إحدى لحظات صدقي التي من خلالها أحاول ممارسة رجم نفسي وشنق حسي لو أخطأت في لحظة انفعال، فأين الخطأ في ذلك! أو لستم معي؛ ألا يحق لي أن أصمت أو أخرس عندما أحتاج فأنا من أدرك حاجة نفسي!

أستأذنك يا نفس أن لا توجهي عدساتك للخطأ والقبح، ولكن انظري للجمال فأنا أعتبرك يا نفس حديقة، لا وقد أطمع وأقول جنة وأسمح لنفسي بدخولها. اهدئي يا نفس فلا عليكِ من عباراتي الثائرة ومن أحاسيسي الماطرة، فلا تيأسي كلما زدتِ طهرًا كلما زاد كره الناس لكِ يا نفس.

يا لها من لحظة تقيدني إلى إشباع روحي بحب الله! كوني يا نفس بجمالك وكمالك وبأقوالك وأفعالك وأفكارك، كوني يا نفس حقيقية وهادئة وواضحة ولا شيء يستحق منكِ الغضب فأنا لا أريد أن أفقدك! وفي لحظة صفاء معكِ أشتاق لك وأتمنى العثور عليكِ يا نفس والتحدث معك والبوح لك. أليس من حقي أن أفعل ما أشاء؟ أنا لست أسيرة قيودكم ولا أمزجتكم! أنا إنسانة حرة لا تحكمني إلا نفسي وعند حدود صدقي.

أدرك يا نفس أن تمتمتي قد لا تعجبك! فأنا معتادة إذا غالبني حنيني للكتابة أو طافت حولي الأفكار، فأنطلق لمكتبتي وأودع همومي على صفحات طاولتي، فأجدني أبتسم تارة من الكلمات وتغلبني تارة أخرى من صدق الإحساس.

كم في المقابر من أحسدهم وأغبطهم على هذه الأيام والليالي!! يكفيهم تسبيحة أو استغفار ورحمة ينفعهم عند ربهم، أو سجدة تنير قبورهم أو صدقة تظلهم بين يدي الله. أنا أهنئ أهل القبور، أرجو ألا تفسروها خطأ، ولكن صدقًا أنا من أتخيل في لحظات صدقي أن سكان القبور من أسعد الناس، لسكون مساكنهم وهدوء جيرانهم، فأنا لا أمارس هنا الفلسفة ولكنه إحساسي بصدق مع من رحلوا قبلي. أتصور لو لي خيار فلن أتردد أن أجاورهم على الأقل هناك ضمان، سنكون دون إساءة أو تجريح لبعضنا البعض، وألتمس العذر من الجميع ولأنها إحدى لحظات صدقي.

أشكرك يا نفس لقد علمتني أن أبتسم وأن أتحدى الليل الطويل بتلك الابتسامة، وإن بكيت في داخلي فيبقى هناك سؤال واحد يحيرني: متى أبكي بصدق؟ فلا أخفيك سرًا قد أتألم بعض الوقت ولكن هل من الممكن أن يكون الألم أفضل حل لمشاعرنا! ولن أتحمل أحدًا ما يتبرع بأن يبتسم أو يضحك أو حتى يبكي نيابة عني وإلا أحتاج لمصالحة نفسي! وأعترف: في حالة عدم صدقي مع نفسي يتساوى صراخي مع صمتي.

وهنا سأصرخ داخل صدري وأعترف لك يا زوجي العزيز؛ وجودك وظهورك في حياتي أتى كالشمس عندما تشرق في كل صباح جديد. هل مثل هذا الصدق أحتاج لطقس معين وفي مكان محدد؟ إلى متى يصادر صدق إحساسي ويقمع صوتي؟ وهل اعترافي هذا قد أخلى بمبادئي وأخلاقي؟ وهل الصدق والاعتراف المباح يخالف الطبيعة البشرية؟ ألا يمكنني أن أكون إنسانة عاشقة شرعًا؟ إذن لنعتبر هذه إحدى لحظات صدقي.

أتعتقدين يا نفس وصلت يومًا إلى الإحساس بعدم الإحساس؟ وآه من إحساسي باليتم الشديد على نفسي! هل أترقب يا نفس بعد موتي من يحفل بموتي والأصدق أن أرثي نفسي وأبكيها! لأني سأكون ترابًا، هل تدرين يا نفس سوف تعودين إلى أصلك وتحاسبي وتتغربي من جديد فلم إذن الغرور! فأنتِ يا نفس ابنة الطين والتراب، ألا تدركين أن يوم ولادتك كأنه يوم رحيلك وموتك! ألا ترضي يا نفس أن نمسح عن عينك الغطاء لتري؟ إلى متى الغرور؟

أبت نفسي لحظة ولغرورها أن تسمعني، فأنا آسفة يا نفس لم أستطيع إيقاف ثرثرة قلمي إلا بتهديده أن أهجره وأعود لطاولتي ولا شيء معي إلا كلماتي وأفكاري! وأنا هنا أسامر نفسي وأعاتبها وأحكي لها حكايات ألمي لأمحو ابتسامة الكذب، ألا تتفقوا معي أن هناك بعض الطقوس عند ممارستنا الابتسامة والبكاء نصوغها تحفظًا وتجملًا! فأنا لا أستخدم الزيف وعذري أنه سلوك اجتماعي ليس إلا!

ماذا يا نفس لو ذكرت لكِ ذكريات صديقاتي الجميلة، والأروع أنهن مازلن يحتلن مساحة كبرى في روحي، ولا أبالغ لكِ يا نفس كنت أفكر أن أكتب ذكريات الطفولة مع صديقاتي، ومن خلالك يا نفس أرسل سلامًا لكل من يسكن قلبي. لحظة يا نفس ماذا يقلقك فأنا أدرك أن هناك من يعرف معنى ما أقول ويصدقه. أتعاتبينني يا نفس لعدم إيفائي حق الصداقة! ولا فيه أجمل من الصداقة ومن خلالها أعترف بوجود نفسي بين صديقاتي.

لم الوجع يا نفس، فالساعات تمر مر السحاب وأنت تلوميني يا نفس لعدم لبس ساعتي! فلا أرغب بلبسها فقط لأحسب بعض أوجاعي وهمي، فأنا أناجيكِ يا نفس، فأنتِ غالية عليَّ، فإليكِ رسالتي ومن خلالك أعطر حروفي، فأرجوكِ أن تعتبريها لمسات على خفايا روحي، فدعيني أطلق مشاعري، وكفانا كبتا لجمح ما نشعره لنسعف أنفسنا، أنتِ بحاجة يا نفس إلى صمت وبشدة حين نخلو مع الذات، يعني في لحظة صدق لنعيد فيها ترتيب أوراقنا وتنسيق مشاعرنا.

إذا جاز لي أن أفهم مدى الحزن الذي يجتاح النفوس، فما لا أفهمه أبدًا هو هذا الحزن واليأس الذي ينبثق من النفوس على شكل حروف وكلمات! أليس هذا عجبًا بل ومذهلًا نعم حجم الحزن عند النفوس! وفي الحزن يغفو القلب فحمدًا لله أنا لست حزينة بقدر ما هي الدهشة الأولى ثم الصمت الرهيب المليء بالذكريات، فلحظات الصدق لديَّ التي كتبت فيها مشاعري، لا أفقد اللحظة الصادقة ولكني أفقد ما بعدها! فيا ترى هل الصدق مع النفس يكفينا لحظة؟ نقف عند لحظات الصدق ونعطي أنفسنا الصدق الذاتي ونجعل منه عادة جميلة نتألق بها ونمارسها. نحن بحاجة أن نكون صادقين مع الله! فأنتِ يا نفس ستموتين ولكن ماذا حصدتِ وماذا فعلتِ وماذا جهزتِ لما بعد موتك؟ كوني مع الله في جوف الليل ساعة صدق ومناجاة من القلب لا يخالطها رياء ولا نفاق.

أناديكِ يا نفس أن ترجعي إلى الله بعد أن تطهري نفسك من حب الدنيا وملذاتها. شكري وتقديري لكل حامل قلم ولكل قائم على نجاح الأقلام الواعدة الصاعدة لإيصال أحاسيسنا وأفكارنا، أعزائي القراء أنا منكم ومعكم وإليكم أكتب، وليس أنا وحدي بحاجة لكلمة صادقة لنلتقي ونرتقي، فاعذروني لعلي تجاوزت الحد في مقالي، وعذري في ذلك أنتم أحبائي الأعزاء.

وأخيرًا نسيت قول الساخر برنارد شو مقولة أعجبتني جدًا وهي: عقاب الكاذب ليس في عدم تصديقه وإنما في عدم قدرته على تصديق أي أحد. وهنا سأنتهي بقلمي بصدق إحساسي ونفسي، وما أجملك يا نفس وأنتِ في لحظة صدق.


error: المحتوي محمي