من وحي دعاء اليوم التاسع عشر من شهر رمضان

موانع القبول: “ولا تحرمني قبول حسناته”

لكل يوم من عمر الإنسان نفحات ومكرمات إلهية يهبها الباري بفضله لمن أخلص العمل وسعى إليه من عباده، وهذا الشهر الكريم له من الثواب الجزيل والحسنات المضاعفة ما يرفع مستوى الطموح والأمل عند العاملين، فهذه الفرص السانحة الثمينة لا يمكن تفويتها وتعويضها، فيعمل المؤمن على تهيئة كل الظروف والعوامل المساندة والمنشطة لروحه في ميدان العمل الصالح ومحراب العبادة بلا تسويف.

ومن جوانب تهيئة الظروف لإنجاح مطلبه تجنب كل العوامل المانعة من قبول عمله، فالمضمون العالي للعبادات هو تحصيل ملكة التقوى والخوف من الله تعالى، ومادامت تلك الصلاة أو المناجاة لا تحدث فيه ورعًا عن محارم الله ولا نهيًا وزجرًا عن المنكرات، فهذا يدل على وجود خلل في أداء تلك العبادة بالشكل المؤدي إلى تأثيرها في سلوكه وقبولها المشروط بالتقوى، وعليه أن يولي هذا الأمر اهتمامًا خاصًا حتى لا يعيش مع العبادات الخاوية من معانيها وغاياتها، فالصورة الظاهرية للعبادة الخالية من حضور قلبه وروحه يحولها لمجموعة طقوس يمارسها، فقد ورد في الروايات الشريفة الحذر من صلاة لا يجني منها سوى التعب وضياع الأوقات، ومن صيام لا نتاج منه سوى الجوع والعطش، ومن صدقة لا تقربه من الله تعالى ولا تخلصه من آفة الشح والحرص، وهكذا مع الأدعية التي يحرك لسانه بكلماتها ويغيب قلبه عن معانيها فهمًا وتجسيدًا.

من موانع قبول الأعمال الحسنة الصالحة هو ارتكاب الذنوب والإصرار عليها، فظلمة القلب من الشهوات المستشرية في جوارحه تصنع حاجزًا عن وصول ضياء وثمرة العمل الصالح، ويقلع هذا الحجر العاثر بالتوبة النصوح والعزم الأكيد على التخلص من السيئات التي يرتكبها، فالاستغفار والرجوع إلى الله تعالى إيقاظ لمشاعر الروح وتنبهها للتمسك بالمضامين العبادية، فالاستقامة والخجل من نفسه واستقباح الرذائل علامات لحسن العمل وقبوله.

ومن موانع القبول انشغال القلب بحطام الدنيا الزائل وتولعه بزينتها، فهذه النظرة المادية تسلبه اليقظة والهمة في اكتساب المعارف والقيم التي تدعو إليها المضامين العبادية، فتلاوة القرآن الكريم التدبرية تحتاج إلى فكر واعٍ يخلو من المشاغل، وهكذا بالنسبة للدعاء والصلاة والتنزه عن المعاصي في صومه وحجه مثلًا، وما لم يتآزر فكره ووجدانه فينشغل بمعالي الأمور، فإن اهتمامه المتزايد بأمور دنياه يمنعه من الاستعداد ليوم الحساب.

ومن موانع القبول طلب السمعة والمكانة بين الناس، فالرياء يمحق العمل فلا يتحصل من ذلك شيئًا لمعاده، ومثل الرياء في انصراف النية الخالصة العجب بعمله والاغترار، معتقدًا أنه أفضل الناس فلا أحد مثله في العبادة وتحصيل الثواب، بينما المؤمنون مشفقون على أنفسهم من التقصير وارتكاب الذنوب مهما بلغت المساحة العبادية من جهده ووقته، ويظهر الافتقار والفاقة لرحمة الله تعالى وعفوه وتجاوزه عن ذنبه.


error: المحتوي محمي