من وحي دعاء اليوم السادس من شهر رمضان.. الخذلان للعبد

“اَللّـهُمَّ لا تَخْذُلْني فيهِ لِتَعَرُّضِ مَعْصِيَتِكَ…”:
الخذلان يقابل التوفيق الإلهي، ومما لا شك فيه أن الله عز وجل من رحمته الواسعة بعباده يحب لهم أن يسلكوا طريق الصلاح والخير، ويتجنبوا كل ما يجلب لهم الضرر، وأعظم ما يؤذون به أنفسهم هو حلول سخطه على العصاة منهم.

ولذا فإنه من لطفه وعنايته بهم يهيئ لهم من الفيوضات والتسديدات في طريق إتيان الصالحات، وما يوقظ ضمائرهم، ويحذرهم من اقتراف الموبقات، فمن الرزق المعنوي الذي يسوقه سبحانه لهم تلك الأجواء الروحية التي تزيد إيمانهم وتشع منها الحكمة في عقولهم، كمجالس الذكر ومواعظ المنبر ومجالسة العلماء الربانيين، وكلما تجلبب بفضيلة وصفة حميدة واكتسب قيمة أخلاقية، فتح الله تعالى له مرتبة أعلى من الورع والتكامل النفسي، وفي كل موطن بلاء تنصرف نفسه عن الاستجابة لهتاف الشيطان والزلل، يهبه الباري قوة للاستمرار والاستقامة ومناعة في طريق التحرز من الموبقات.
هذا هو معنى التوفيق الإلهي الذي يسدد به عباده المؤمنين في طريق التكامل، فيهديهم لما يعلي درجاتهم بعد أن مارسوا جهادًا لأنفسهم، فكل يوم تشرق عليهم فيوضاته ليستضيئوا بعطاياه.

و أما الخذلان الإلهي، فلا يعني أن رحمة الله وهدايته قاصرة عن إشراقة أرواحهم بالطهارة والتقوى، بل هناك خلل في المقابل، أي أن العباد يأتون من الأفعال المشينة ما يرفع عنهم غطاء التوفيق، ويخليهم من نور توفيقه في حركتهم وسعيهم مع إرادتهم المُسيَّرة بالأهواء والشهوات، فلا يجد العبد ما ينور له طريقه أو يسنده ويسعفه لتجنب المحرمات، فيبوء بإثمه ويبقى رهين عمله السيئ الذي مزق عنه ظلال العناية الإلهية، وأبقاه رهين نفس أمارة بالسوء قد أوكل الباري تصريف أموره بيدها، فأي مهلكة أوقع نفسه فيها!!
وأشار الدعاء إلى أهم عوامل خيبة الإنسان وخذلانه بارتكاب المعاصي، فإنه في كل يوم يزداد بعدًا عن الله تعالى باستمراره في غيه وإصراره على إتيان الموبقات، فقد ترك قبس الهدى ونور التوفيق وأظلم قلبه لفراغه من ذكره الله تعالى، فقد انصرفت همته نحو النزوات وأصبحت شغله الشاغل، فأي توجه أو التفاتة لسوء أحواله وهو يعاني سكرات الشهوات؟!

كما أن أساس الخوف من الله وانصراف الهمة عن معصيته هو استشعار معيته، فلا يجعل الله تعالى أهون الناظرين إليه كيف والعبد يخاف ويستحي من اطلاع من حوله على خطاياه، وأما الاستمرار في السيئات فيمزق ثوب الحياء من الله تعالى ويبلد أحاسيسه الوجدانية تجاه المنعم عليه، أما وقد ربأ العبد بنفسه ونأى بها عن عناية ربه فقد أوكله الباري إلى نفسه الأمارة بالسوء، والتي لن يجني من الانقياد خلفها إلا الخيبة، فالنفس التي تميل للمعصية وتستجيب لها بدون توانٍ أو تفكير وتأمل في العواقب، لن تكون حريصة على نيل أي لون من ألوان اللطف الإلهي الخاص.

وطلب العبد من الله تعالى أن لا يجني الخذلان من معاصيه لا يعني كلامًا بلا مصداقية، فلا مفهوم لكلام أجوف ممن يتحرى أسباب المعصية ويمتلك استجابة سريعة لأي معصية تعرض عليه، بل هو إعلان توبة وعزم على التوقف وتجنب هذه الصورة القبيحة التي هو عليها، من مقابلة نعم الله تعالى بالجحود والعصيان.


error: المحتوي محمي