بعد رحيله.. الطفلة روان تروي قصتها مع الدكتور الشعبان

كثيراً ما نسمع عن الأشخاص الأكثر تأثيرًا في عالمنا، والتي بصددها يتم تسليط الضوء على أشهرهم، لتنشر أسماؤهم في الصحف والمجلات وتعرض سيرهم على الشاشات والقنوات، ومصدر عظمتهم يكمن فيما قدموه من تضحيات، وأعمال، وخدمات وبحوث وإنتاجات، وما سجلوه من آثار.

لكن أن تسمع نبض قلب طفلة يتمتم بحنان، بلوعة الأحزان وبهذا المستوى من الإفصاح والبيان! فذلك يعطيك مساحة للتأمل حول شخصية هذا الدكتور الكيان وجوانب تميزه وإنسانيته، ويثير بنفسك عدة تساؤلات عن حكايته وهل هي كبقية الحكايات؟!

“وإن رحل الدكتور من هذا العالم فسيبقى بعالمي وبقلبي لن يرحل”.. هكذا عبرت لـ«القطيف اليوم» الطفلة روان الخواجة، ذات الـ12 عامًا، المنحدرة من الأحساء ومن سكان منطقة سيهات، والتي تنتمي لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة حيث إنها ولدت برجل واحدة، عن مشاعرها الصادقة التي نثرتها كلمات على صفحات الذكريات نحو  شخصية الطبيب الراحل  الدكتور عبد رب الحسين محمد الشعبان الذي هز رحيله قبل أيام المجتمع الطبي بشكل عام إثر تعرضه لأزمة قلبية أثناء حفل تكريم “صحة الشرقية”، وأثر رحيله بالمجتمع القطيفي بشكل خاص كونه الابن البار المعروف بطيبته وتفاعله الإيجابي مع اختلاف التوجهات المجتمعية.

لم يرفض ابنته يومًا

تحدثت الخواجة بأنفاس متلاحقات ودموع وعبارات وملامح ترسم كلمات قائلة: “أنا لا أنسى أطهر إنسان فهو من كان يرسم الابتسامة على وجهي، ولا أنسى مواقفه معي، فلا يوجد مثيل له بهذا العالم، فقد كان سندًا لي بالحياة، وكان الأب الحنون الذي أجده بجانبي بمعظم مواعيدي بالمستشفيات، وإذا سأله الأطباء من تكون روان؟ وما علاقتك بها؟ يجيبهم: أنا أبوها”.

وتابعت: “تقبلني كما أنا حين رفضني العالم ودفعني كي أتغلب على إعاقتي وأمارس حياتي اليومية، أشق طريق التعلم، يدفعني بعبارته الجميلة كي أتفوق وأشارك في كل الأنشطة، كما شجعني على الكتابة وساعدني في كتابة  قصة حياتي “أنا روان” التي شاركت بها بمسابقة وزارية  على مستوى المنطقة الشرقية، كما دفعني لمواجهة المجتمع والصعود على المسرح بحضور  أكثر من 2000 شخص وأمام شاشة التلفاز”.

ملاك بهيئة إنسان

من جانبها، ليلى الخواجة والدة الطفلة روان سردت قصة البداية لـ«القطيف اليوم» بلوعة  قائلة: “ولدت ابنتي روان برجل واحدة وكانت رحلة علاجها صعبة وتتطلب صبرًا وتحملًا، رفعنا أوراق طلب دعم لعلاج ابنتي بالخارج، وكان الدكتور الشعبان عضوًا في اللجنة الطبية في مستشفى الدمام المركزي المشرفة على حالة ابنتي، تعاطف مع وضعها وشد من عزيمتي وبفضل من الله ثم بجهوده ومتابعته لإنهاء الإجراءات وإكمال الأوراق وإجراء الاتصالات، تمت موافقة اللجنة لتحويل حالة ابنتي لخارج البلاد إلى ألمانيا”.

وانفجرت بالبكاء قائلة: “لا أحد يتصور كيف أنه رغم انشغاله كان يعمل كمترجم عبر الهاتف ليسهّل عملية التواصل بيني وبين اللجنة الطبية الألمانية والفني المتخصص بصناعة الأطراف، ويستقبل اتصالي به في أي وقت”.

واستطردت: “تم تركيب الطرف الصناعي، وبدأت ابنتي تتدرب على المشي ويتحقق حلمها بالمشي كبقية الأطفال، وعدنا للوطن واتصلت به لأقدم شكري الجزيل لهذا الإنسان العظيم، وإذا به يفاجئني بطلب زيارة شخصية لمنزلنا لمتابعة تطورات وضع روان، وبالفعل جاء المنزل وهو في قمة التواضع والرحمة محملًا بالهدايا وزارعًا الأمل في نفس عائلتي من جديد”.

صاحب اليد البيضاء

وتحدث توفيق الخواجة والد الطفلة روان بأسى قائلًا: “أعجز عن التعبير عن شخصية هذا الدكتور المثالي مع الجميع، الذي قدم الدعم المعنوي لي ولعائلتي لمواجهة المجتمع ونظراتهم لذوي الاحتياجات الخاصة”.

وأضاف: “أخذ على عاتقه متابعة حالة ابنتي بعد عودتها من رحلة العلاج بالخارج وترتيب مواعيدها حين نقل ملفها الصحي لمدينة الأمير سلطان بالرياض، كما سافر معنا رغم ظروف عمله عدة مرات للرياض من أجل لقاء الأطباء والمختصين بمدينة الأمير سلطان ومناقشتهم بحالة روان وإعادة تأهيلها للتعود على الطرف الاصطناعي وتدريبها على المشي بطريقة أفضل، فليرحمه الله فقد خسر المجتمع رجلًا لا يعوض”.

رحلته مختلفة

حصل الدكتور الراحل على درجة البكالوريوس بالطب والجراحة من “جامعة فيينا” وواصل تعليمه إلى أن حصل على شهادة الزمالة الألمانية وعمل هناك قرابة الأربع سنوات، وبعد عودته للوطن أسس قسم العناية الفائقة للأطفال الخدج بمستشفى الولادة والأطفال بالدمام حيث عمل الراحل كاستشاري للأطفال وكذلك استشاري في قسم العناية بالأطفال الخدج «حديثي الولادة».

كما شغل عدة مناصب إدارية ومنها: منصب المدير الطبي في مستشفى القطيف المركزي، ورئيس قسم حديثي الولادة في صحة الأم والطفل بالدمام، ورئيس الخدمات الوليدية في المنطقة الشرقية.

وشارك بعدة لجان، هي: لجنة المخالفات الطبية للمؤسسات الصحية الخاصة، ولجنة التقييم الطبي المهنية، ولجنة تقييم الإحالات الإسعافية للقطاع الخاص، ولجنة ضمان الجودة، ولجنة المرضى والوفيات، ولجنة مكافحة العدوى، واللجنة الاستشارية لخدمات حديثي الولادة بوزارة الصحة.

كما نشرت له عدة منشورات ومنها: ما نشر بشهر  أكتوبر 2015م عن العوامل المؤثرة على بدء الرضاعة الطبيعية والحصرية في القطيف، والمملكة العربية السعودية بمجلة مبتكرة للعلوم الطبية والصحية.

وكان عضوًا فعالًا بالمجتمعات الطبية المحلية والعالمية، ومنها: الجمعية الأمريكية لطب الأطفال، والمجالس الطبية السعودية، وجمعية طب الأطفال السعودية، والمجتمع الوليدي السعودي،.

وأتقن  الدكتور الراحل  ثلاث لغات هي: اللغة الإنجليزية، واللغة الألمانية، واللغة الفرنسية، بالإضافة للغته الأم “اللغة العربية”.

هذا ويعد الدكتور الراحل من الشخصيات الطبية المعروفة بتفاعلة مع المجتمع الطبي العالمي على مستوى الشرق الأوسط، ومن الأطباء المبدعين الذين صعدوا على منصات التكريم، وسجل بمسيرة إنجازه ومشاركته الفعالة بالمحافل الطبية بصمة بتاريخ المملكة العربية السعودية.


error: المحتوي محمي