“أرى الكاريكاتير قوة خارقة في خطف الأنظار إلى مختلف القضايا، كونه يمتلك قوة الجاذبية لأكبر شريحة ممكنة من المشاهدين الصغار قبل الكبار، إضافة إلى سرعته الفائقة في إيصال الفكرة، وكونه في متناول الجميع المتعلم وغير المتعلم، بخلاف المقالات، فمن يقرأها لابد له أن يجيد القراءة وهذا ما يتعذر عادةً على الأطفال وكبار السن”.
هكذا بدأ الفنان الكاريكاتوري حسن آل زايد حديثه لـ«القطيف اليوم» عن كتابه الأول من نوعه في محافظة القطيف “كيف أرسم كاريكاتير؟”، الصادر عن دار أطياف للنشر والتوزيع، مبينًا رؤيته لهذا النوع من الفن.
وينحدر الفنان آل زايد من بلدة العوامية في محافظة القطيف، وهو مدرب معتمد بمعهد القيادة العليا العالمي بجامعة كاردينال بأمريكا، ومدرب معتمد بأكاديمية الكوتشنج العربية، وعضو جماعة الكاريكاتير المنشأة حديثًا، يمارس الرسم ويعشق الإلقاء والإنشاد والمونتاج، وكان لتحوله من كاتب مقالات إلى رسام كاريكاتير قصة مشهورة.
المقالة التي حولتني إلى رسام
ووصف الفنان نقطة التحول التي نقلته من كاتب للمقال إلى رسام كاريكاتوري، بأنه كتب عدة مقالات وشارك بأحدها في واحدة من النشرات المحلية التي تهتم بتنشئة الطفل وتوعيته، وكان عنوانها “نظيف أنت”، وعند توزيعها كان ينظر للصغار ويرى كيف تفاعلوا معها متسائلًا كيف ستنال إعجابهم، وحدق النظر فوجد الطفل الأول قام بإدخالها في جيبه من غير اكتراث، والثاني رفضها، والثالث قام بتقليب الصفحات وكأنه يبحث عن شيء ثم رماها أرضًا.
وأضاف: “هذا الحدث أثر فيَّ كثيرًا، إذ رأيت أتعابي تبخرت وجهودي باءت بالفشل، فعدت أفكر من جديد لأبحث عن الخطأ الذي صرف الأطفال عن الاهتمام بالنشرة؟! وسألت نفسي: عم كان يبحث الطفل في ساحة النشرة يا ترى؟ فقمت أبحث إلى أن وجدت ضالتي وهو عالم رسم الكاريكاتير”.
وطبق النتيجة: “فرسمت رسمًا كاريكتوريًا لأجس نبض الأطفال، ولما صدرت النشرة مطعمة بالرسم، كانت المفاجأة بأن الاهتمام لم يتوقف على الصغار وحسب، بل وحتى الكبار شد انتباههم ذلك الرسم الكاريكاتوري، ومن هذا الموقف انطلق مشواري”.
والد يكتب، وابن يرسم
وحكى آل زايد عن بدايته، حيث إنه مارس الرسم منذ الطفولة، وأما في مجال رسم الكاريكاتير فمن عام 2007 م، “ولعلّ الانطلاقة تبدو غريبة بعض الشيء، فمنذ أيام الطفولة وجدت نفسي هكذا بين الأقلام والأوراق، لأن الوالد الشيخ علي آل زايد كان منشغلًا بالتحضير والكتابة، أمسكت بالقلم والورقة وأخذت أرسم ما أراه حولي، وبمواصلة الرسم في الصفوف الإعدادية تلقيت تشجيع الأهل والمعلمين والزملاء”.
وعن رسام الكاريكاتير الأمهر في نظره، ذكر أنه على المستوى الدولي يكون الرسام الفلسطيني الفنان ناجي العلي، وأما على صعيد المنطقة فيحتلها الفنان ماهر عاشور.
سد شيء من الفراغ
وبيَّن آل زايد السبب الذي جعله يقرر إصدار الكتاب قائلًا: “رغم ما يملكه فن الكاريكاتير من قوة هائلة في تسليط الضوء على مختلف القضايا المعاصرة، إلا أنه يندر وجود كتب – أو كتاب إن صح التعبير – حول ثقافة فن الكاريكاتير!! وهذا ما فاجأني حقًا عند زيارة إحدى المكتبات الكبرى بالمملكة، وكنت أود شراء كتاب حول هذا الفن في سبيل التعلم، ومن هذا الموقف جاء هذا الكتاب لسد شيء من ذلك الفراغ الكبير، وهو خلاصة الدورات التدريبية التي قدمتها على مدار سنوات”.
أبجديات فن جميل
وأصدر الفنان آل زايد كتابه عندما كان في سن ٢٦ عامًا، وكان حينها يدرس بالمرحلة الجامعية بهدف تسهيل تعلم أبجديات هذا الفن الجميل – كما وصفه الكاتب – ليكون في متناول الجميع، وجاء ذلك بعدما استشعر غربة هذا الفن ورواده في المنطقة بل حتى في الوسط العربي، وكذلك في صفحات الإنترنت، وما يؤكد حديثه عندما تبحث مثلًا عن ماهية عناصر أو مكونات لوحة الكاريكاتير لا تجد إجابة بالرغم من أنها تعتبر معلومة سطحية في مجال فن الكاريكاتير، خلاف ذلك عندما تبحث عن عناصر الرسالة أو عن عناصر أي مجال آخر فتظهر لك نتائج البحث مذهلة.
وعرض الفنان كتابه على عدة فنانين، منهم الرسام ميثم السلطان، وكثير من المؤلفين منهم والده سماحة الشيخ علي آل زايد، ومحمد الحسين، والكاتب حسن آل حمادة، ومحمد آل زايد، وغيرهم من المثقفين أمثال الدكتور جمال إسماعيل وعماد اللباد، وقد صدر عن “دار أطياف للنشر والتوزيع” في عام 1438 هـ، ويحتوي على 72 صفحة ملونة من القطع الكبير توزعت على 8 أبواب وعدة رسومات كاريكاتورية وتمارين.
قالوا عن الكتاب
وعلق الفنان ماهر عاشور على كتاب “كيف أرسم كاريكاتيرًا؟”، قائلًا: “الكتاب جيد جدًا وبسيط ومفيد للمبتدئين في هذا المجال وكمدخل لتعلم رسم الكاريكاتير، وهو مجهود يشكر عليه من معد الكتاب الأخ الفنان حسن آل زايد”.
وقال عنه الفنان الفلسطيني الدكتور علاء اللقطة: “جاء هذا الكتاب بحلته ومحتواه وإخراجه الجميل كحجر ألقي في ماء راكد فحركه، الأبواب الثمانية التي تناولها الكتاب هي بمثابة أجوبة شافية يتوق لمعرفتها كل مهتم وناشئ ومولع بهذا الفن”.
أما الفنان ميثم السلطان فقال: “كتاب جميل وقيم، سيكون إضافة جميلة للمكتبة المحلية والعربية”.
وأشاد الكاتب حسن آل حمادة بمقدمة الكتاب بقوله: “المقدمة شهية وتسيل اللعاب ليستمر القارئ في التهام الكتاب”.
الكاريكاتير الذي أثار الجدل
وتذكر آل زايد تفاصيل كاريكاتيره الأول الذي كان من الناحية الفنية بالرسم التقليدي على الورق، وأما كفكرة فقد تناول فيها ظاهرة سلبية مصاحبة لشهر محرم الحرام بغرض إثارتها من أجل معالجتها وتجنبها، وقد طُبع في إحدى النشرات المحلية، وكان هناك ترحيب كبير، كما كان في الجهة المقابلة معارضة كثيرة من القراء وعدم تقبلهم وجود هذا الفن في نشرة حسينية ظنًا منهم أن فن الكاريكاتير للفكاهة فحسب.
وعلل سبب المعارضة بقوله: “وهذا يعود إلى غربة فن الكاريكاتير وعدم الإحاطة بأبجدياته، فكما أن الخطابة والمسرح والنشرة هي وسيلة لإيصال رسالة سامية، كذلك فن الكاريكاتير يحمل ذات الرسالة، بل هي صورة مترجمة لمحاضرة الخطيب أو لمشهد تمثيلي، وكذلك في بقية المجالات”.
كاريكاتير فائز تتم معارضته
وأضاف: “والأغرب أنني حزت جائزة أفضل كاريكاتير في المعرض الحسيني بالبحرين عام 1430 هـ، نظير تقديم أحد الكاريكاتيرات التي عرضتها في معرض كربلاء الصغرى بالقديح، ولقي مع مجموعة الكاريكاتيرات التي قدمتها انتقادات لوجودها في معرض حسيني”.
الفنان يطبق كتابه
وأنزل آل زايد مؤلفه على أرض الواقع ليقترب من التنظير والتطبيق عبر مشاركاته التي تجاوزتها العشر دورات في الخامسة، والمحدود، وصفوى، والقديح، وسيهات، وثلاث بالعوامية، وأم الحمام، والخبر، وأيضًا ورشتين سريعتين في بسطة الكاتب حسن آل حمادة على كورنيش القطيف، وقد تجاوز عدد الملتحقين بالدورات 202 شخص.
وكشف عن عمل مستقبلي، حيث سيقدم دورة للصم والبكم في فن الكاريكاتير تحت مظلة لجنة “ايثار آرت”، وهي لجنة وليدة منبثقة عن لجنة “إيثار لتنشيط التبرع بالخلايا الجذعية”، وتقوم حاليًا بتأهيل أعضائها فنيًا في مجال الإلقاء والرسم والمونتاج والتصوير وغيرها، وذلك عبر فعاليات داخلية، وأولى فعالياتها الخارجية ستكون في شهر رمضان المبارك.