من وحي دعاء اليوم الأول من شهر رمضان (١)

متى يفيق الغافل؟
ما هي علائم تلك الرقدة التي يطلب المؤمن من ربه عز و جل أن يخلصه من براثنها ، و يتأوه من الوقوع في أحضانها حتى بات محروما من القيم الروحية ؟

في غمرة الحياة و الانشغال بتحصيل الرزق و تواصله مع الآخرين استأنس بالدنيا و غفل أنها دار إقامة مؤقتة ما يلبث أن يرحل عنها ، و نسي أن يستعد ليوم لقاء الله عز و جل و الوقوف تحت مظلة العدالة الإلهية و الحساب ، فلم يكن ذاك حاضرا في فكره.

و أحاطت به سيئته و قارف المعاصي دون زاجر يردعه من التورط و التوغل أكثر في ساحة السخط الإلهي و حلول النقمة عليه ، و كل ساعة تغادر من عمره يسجل فيها بعدا عن رحمة الله أكثر من ذي قبل ، فأي غفلة مهلكة أعظم من هذا الانحدار !!

و امتلأ القلب حبا و شغفا بزخارف الدنيا حتى تعلق بها مفتونا فلا يطيق فراقها ، و كبرت آماله و تعالت في أسقفها حتى توارت خلف السحاب ، و حالت تلك الأماني الكاذبة بينه و بين إتيان الأعمال الصالحة حتى بادرته ساعة المنية فلم تمهله لحظة فوق أجله.

و من غفلته أن أعرض عن تلك الأمثال التي ضربت له في الأمم السابقة ممن هام خلف أهوائه و نزواته حتى اغتر بها ، فهو اليوم تحت ثراها عبرة لمن خلفه ، و لكننا نسمع بأذن صماء لا تعي العبر من قصص الأمم السابقة ، بل تتعقبهم خطانا في طريق الزلل ظانين أننا نمتلك قوة و فكرا أعظم منهم حتى نقع في المطب ذاته ، غير مأسوف علينا و قد أمنا العقوبة !!

أما لو سلكنا طريق المعرفة الحقة بالخالق العظيم ، و تمعنا في وجه الجمال و الجلال الرباني لأوقفنا ذلك على أرض ثابتة تجنبنا التوغل في القبائح ، و لانطلقنا في محراب الذكر و المناجاة مغذين أرواحنا في طريق التكامل ، فالسير إلى الله تعالى أثره محبته و الأنس بذكره ، فما أجمل ثوب الحياء منه و نحن نراه تعالى معنا في كل أعمالنا و علاقاتنا و معاملاتنا ، في وقت أنس فيه الغافلون – أمثالنا – بالانغماس في الشهوات.

سكرة الغفلة عكست لنا الحقيقة القائلة بأننا في لحظة لا يسبقها إنذار بمغادرة الحياة ، و إذا بنا نبتلى بالحرص على حطامها الزائل و نتعلق بقشة من زينتها و نفضلها على كل شيء ، فلا نفيق من غفلتنا إلا و قد حللنا في حفر المقابر فلا عودة للدنيا مرة أخرى أبدا.

و يا لها من صرخة مدوية نطلقها في يوم الحساب و قد وقفنا على صحائف أعمالنا ، فلم نجد فيها ما يسر النفس بل هي ملأى بما يسود الوجه ، فهناك نصب جام غضبنا على من صحبناه في الدنيا و كان سببا لانحرافنا ، فكم من الساعات الخاوية قضيناها في مجالس ما زادتنا إلا غفلة و سوءا ، و كنا نكره مجالس الأنس بذكر الرحمن و المواعظ التي تعيد لنا صوت الفطرة اليقظ و يرفدنا بزاد الورع و الخشية من الله.

و اسمع و ارع ما يصرخ به الغافل بعد رحيله و معاينته الأهوال ، و هو يقول : { رب ارجعون } و لا صدى لندائه و قد ختمت الصحائف و انتهت الآجال ، فأينه من التوبة و الرجوع إلى الله فيما أمده الله تعالى به من عمر ضيعه في الشهوات و الخطايا ، فما هناك من حسرة عظيمة على التفريط في ساعات الغفلة لا أثر لها ، فليكن له من نفسه واعظ ينبهه و يخرجه من شرنقة الغفلة ، منتهزا الفرصة في المواسم العبادية لتجديد العهد بذكر الله تعالى .


error: المحتوي محمي