جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي من أبرز الجوائز التي أحرزتها الكفيفة أحلام محمد علوي العوامي، من مواليد محافظة القطيف، حي «القلعة»، ثلاث مرات.
«العوامي» كفيفة منذ صغرها، لا تبصر بعينيها جمال الطبيعة، لا تجلس على مقاعد الدراسة، تحدق في المعلمة، تقرأ ملامحها، وتسمع صوتها، لا تمارس الكتابة، كغيرها، تعيد تنسيق حروفها، والكلمات، تغمض عينيها لحظة، لتعيد انفراجهما لحظات، لم يدخل عينيها الضوء، لتتمتع بنعمة البصر، إلا أنها مبصرة بذاتها، كانت تمارس كل ذلك من خلال قلبها وروحها ومشاعرها، تطلعاتها ونظرتها للحياة تختزل زاوية جمالية، لا مكان لليأس، أو الإحباط، أو التذمر، طريقًا تسلكه.
تنتمي لتاء التأنيث العريبة، القادمة من الأصالة، من الأمل، من رشفات آيات القرآن الكريم، تنساب كضوء يجعلها تبصر الأشياء من حولها.
“إن مواجهة المعوقات، برغم كونها مؤلمة ومتعبة، إلا أنها آلام ودروس، ذات عبرة ولذة بتخطيها بفضل الله، وأجزم بأن كل مهارة لدى المعاق تلقى رعاية، سينتج عنها نجاح أو تميز، حتى وإن لم يكن إبداعًا. في مجتمعنا، سوي الحواس، لكنه معاق الفكر، أو الإنتاج”، بهذه الكلمات، اختصرت «العوامي» اللغات، والأمنيات، والآهات، وشقائق النعمان، في ذات كل إنسان، قدره أن يكون من ذوي الاحتياجات الخاصة، لتسكبه في حوار مع «القطيف اليوم»، العنفوان، والنموذج الذي يحتذى لغد مشرق، عنوانه “ذوو الاحتياجات الخاصة”، هم المجتمع روحه وأمله، مكون أساسي من مكوناته، لا يستجدي العاطفة والشفقة، إنما يستجدي، يدًا حنونة، تؤمن بقدراته، الكفاءات والأدوات التي يمتلكها، بجانب الإرادة والعزم، لتقول لهم: تفضلوا.
س: عرفينا على بطاقتك الشخصية والعلمية؟
ج: أحلام محمد علوي العوامي، كفيفة منذ الولادة، حاصلة على جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي 3 مرات، خريجة تربية خاصة، قسم صعوبات تعلم من جامعة الملك سعود.
س: حدثينا عن مراحلك الدراسية، وما أماكن العمل، التي جاءت في حياتك العملية؟
ج: درست في معهد النور للكفيفات بمحافظة الإحساء، حيث لم يكن قد طبق الدمج آنذاك، فكان والدي يبحث عن مكان لأدرس فيه، بحث حتى خارج السعودية، ذهب إلى الكويت عله يجد ضالته، لأدرس، حتى لو ذهبت للخارج، فأبلغوه بوجود معهد بالأحساء، ألحقني به، حيث ساعده بعض زملائه بالعمل للوصول للمعهد، وبفضل من الله، كان المعهد نفسه المحطة الأولى للعمل، معلمة فيه، ثم برنامج الدمج البصري بالابتدائية السادسة بمدينة سيهات، ثم الابتدائية الأولى بسيهات، وحاليًا الابتدائية الرابعة بالقطيف. رشحت كمعلم مشرف 1436هـ، لمدة عامين ونصف، وفي الفصل الدراسي الثاني من هذا العام 1438- 1439 هـ، رشحت معلمًا مستشارًا لبرامج العوق البصري بالقطيف.
س: حدثينا عن دخولك جامعة الملك سعود، وكيف كانت بدايتك وما أبرز المواقف، التي واجهتكِ فيها، حلوها ومرها؟
ج: التحقت بالجامعة، حيث سجلت بقسم اللغة العربية، ولكن لم أجد نفسي مقتنعة بهذا التخصص، رغم حبي للغة العربية، قدمت الاعتذار عن الفصل، ثم حولت إلى قسم التربية الخاصة، وبعد عامين أبلغونا بأن قسم العوق البصري مغلق، وعلينا اختيار تخصص آخر، ولكن شاء الله أن يسمح للكفيفات بالدراسة في قسم صعوبات التعلم، فسجلتُ فيه. أما عن الصعوبات، فإنها تكمن في اختلاف الكادر التعليمي في تعامله، وكان مشكلة كبيرة، لتجد أن هذه ترفض التسجيل وتلك ترفض المرافقة، وغيرهن يرفضن الإفصاح عن المطلوب من المنهج مبكرًا، لنتمكن من كتابته، وبعضهم ليس مقتنعًا بقدراتنا على الأداء، كله هذا، لا يعني -بالضرورة بمكان- أنه لا يوجد كادر متعاون ومتفهم وله أثره الإيجابي.
س: هل واجهتم معوقات وآلامًا في دراستكم، لتختم بالشهادة الجامعية؟
ج: لا بد من مواجهة المعوقات، ورغم أنها كانت مؤلمة متعبة، إلا أنها صارت آلامًا ودروسًا ذات عبرة ولذة بتخطيها بفضل الله، أذكر بعضها: الغربة عن الأهل أثناء الدراسة من المرحلة الابتدائية، حتى الجامعية، حيث قضيتها في السكن الداخلي، كذلك عدم توفر المناهج، خاصة في الجامعة، حيث كنا نقوم بكتابة الكتب بأنفسنا، وذلك بعد تسلمها صوتيًا من المرافقات، لنتمكن من المذاكرة، إضافة إلى القسوة في التعامل، وعدم تقدير الاحتياجات من قبل بعض الكادر التعليمي، أو الإداري، ومواجهة صعوبة في التعامل، مع بعض الكاتبات المكلفات بالكتابة لنا في فترات الاختبارات.
س: ما أبرز الجوائز التي جاءت بدنياكِ، ولها وقع تحفيزي، يأخذك ناحية التألق والمبادرة الدؤوبة، لتعانقي شرفات الأفق، أملًا وطموحات؟
ج: حصلت على عدة جوائز أثناء دراستي، وأهمها: جائزة الأمير محمد بن فهد للتفوق العلمي في كل من المراحل الدراسية الثلاث، الابتدائية والمتوسطة والثانوية.
س: ما علاقتك باللغات الأجنبية، كاللغة الإنجليزية، هل تتقنيها وغيرها على حد سواء؟
ج: ممارستي للغة الإنجليزية محدودة جدًا، وذلك جعلني أفقد أغلب ما كنت أتقنه، لكني أحاول بين الحين والآخر الاسترجاع.
س: ما أسعد لحظة في حياتك، التي لاتزال ترافق طموحاتك وأحلامك
والأمنيات؟
ج: كل لحظة وفقني الله فيها للنجاح في عمل، أو لتقديم خدمة لأي شخص، خصوصًا إن كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، فإنها تشكل بالنسبة لي سعادة، تملؤني تفاؤلًا وأملًا.
س: موقف له رائحته الحزينة، بدنياكِ، تتمنين أن لا يتكرر؟
ج: في إحدى الاختبارات الجامعية، اكتشفت أثناء الاختبار أن أستاذة المادة المتخصصة بالتربية الخاصة كانت تتواجد معي، لتتأكد من قدرتي على إجابة الأسئلة، ولكوني كفيفة، فقد اختارتني من بين الطالبات، اللاتي كن يدرسن معي، لأنهن كانت لديهن بقايا بصرية، وبينما كنت أجيب، دخلت بعض الطالبات وأخذن ينادينها، ويتحدثن معها بصوت منخفض، فعرفت بوجودها، وعندما أرادت الخروج، سألتها الكاتبة: ماذا استفدتِ من ذلك؟ قالت: لا أدري. كان ذلك مؤلمًا لي بشدة، خصوصًا أنه يصدر من متخصصة، شعرت بإحباط وألمٍ يصعب وصفه بالكلمات، ولكن عليَّ الاستمرار والتناسي، لأنه لم يكن أول ألم، ولن يكون آخره، هكذا أنظر لكل موقف من هذا الشكل، أو النوع.
س: لكل إنسان شخصية تكون دفئًا لخطواته، ملهمة لأبجديات الحياة، بالنسبة لكِ من هي الشخصية التي ترينها الدفء والملهمة؟
ج: والداي، منهما تعلمت، ومنهما أستمد كل جميل، كذلك كل أفراد أسرتي، ولدي بحمد الله كثير من الشخصيات، كان لها الأثر الإيجابي، حيث دفعتني للمضي قدمًا، لا أنسى فضلهم مهما حييت.
س: في جملة موجزة، ماذا يعني لك تمازج “ذوي الاحتياجات الخاصة والإبداع”؟
ج: يعيش ذوو الاحتياجات الخاصة في تحدٍ مستمر مع المحيطين بهم، الذين يقللون من التوقعات تجاههم في أغلب الأحيان، لذا تتولد لديهم رغبة وطاقة وعزم على تحقيق أهدافهم والسعي للنجاح فيما يوكل إليهم، بالإضافة لتحري التميز والدقة في العمل، الذي ينتج عنه إبداع أغلب أولئك الأشخاص، وتختلف القدرات حسب نوع الإعاقة بالطبع، ولكن أجزم بأن كل مهارة لدى المعاق، تلقى رعاية، سينتج عنها نجاح أو تميز، حتى إن لم يكن إبداعًا.
س: ذوو الاحتياجات الخاصة مكون من مكونات المجتمع، برأيك، أتجدين أن المجتمع في بعض جزئياته الثقافية والتعاملية، واقعيًا، يضعهم على هامش المجتمع، والمساهمة في رقيه؟
ج: رغم تطبيق الدمج في التعليم، ورغم بروز الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتوليهم أعمالًا ومناصب، إلا أنني أجد الوعي ما زال ضعيفًا، ويؤسفني أن يتخذ البعض مجال ذوي الاحتياجات الخاصة ليرتقي باسمه وسمعته، لا ليغير شيئًا في حالهم في المجتمع، فكم نواجه شفقة البعض، أو تعجب آخرين، أو تهميشهم، أو نكران الأسر لحالة أبنائهم، أو قسوة غيرهم، ومواقف شتى، وعلى ذوي الاحتياجات الخاصة وأسرهم تحمل نتائج وآلام كل هذه التوجهات، ولكن كل الاحترام والتقدير، لكل شخص واعٍ، أو إنسان متطوع، ولأسر سعت، لرقي ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة، ليكون من ذوي القدرات والتحديات الخاصة.
س: ما المقصود بطريقة “برايل”، وكيف تقيمين فاعليتها بالنسبة لذوي الاحتياجات الخاصة؟
ج: هي الطريقة،التي يتعلم بها الكفيف القراءة والكتابة، وهي نقاط بارزة، يتلمسها الكفيف بأصابعه ليقرأها، وتتشكل الحروف من نقاط، تتراوح بين نقطة واحدة و٦ نقاط، وفي الأرقام تضاف علامة، لتميزها عن الحروف، أما الكتابة بطريقة “برايل”، فيلزمها استخدام أدوات خاصة، ومنها: آلة بيركنز. نعم، أعتبرها فعالة جدًا ولا يستغني الكفيف عن إتقانها، سعيًا في تعليمه، وله عندما يكبر استخدام البدائل التقنية، كما يشاء.
س: ذو الاحتياجات الخاصة، أيعتبر في مفهوم الحياة معاقًا حقيقيًا، وما توصيفك لمفهوم المعاق؟
ج: إن كانت تنشئة المعاق منذ الصغر تعتمد على الاستقلالية والثقة والتطوير من قدراته واستغلالها، فهذا كفيل أن يجعله منتجًا وليس معاقًا، أما إن تدنت التوقعات من قدرة المعاق وأهملت رعايته وتعليمه وتدريبه، فذلك سيجعله معاقًا. عمومًا في مجتمعنا، سوي الحواس، لكنه معاق الفكر، أو الإنتاج.
س: مركز مكفوفي القطيف، كم عدد الذين يحتضنهم لحد الآن من ذوي الاحتياجات الخاصة، وما اهتماماته، وكم عام لكِ فيه، وتدرجك الوظيفي، أين بوصلته في المركز؟
ج: يحتضن ما بين ١٢٠ كفيفًا وكفيفة تقريبًا، والمركز يهتم بخدمة المكفوفين والكفيفات في جميع المجالات وفي مختلف الأعمار، كما يقدم خدمات للأسر، بالإضافة لتوعية المجتمع. افتتح المركز عام 1429هـ، حيث رشحت من قبل مؤسس المركز ومقرره آنذاك، علي عبد الله محمد آل غزوي، لمنصب نائبة المقرر للجنة النسائية بالمركز، والتطوع بالعمل مدربة برايل، وحاسب وخوارزمي 1+2 والتدريب على جهاز “برايل سينس”، كذلك البرامج الناطقة للآيفون والحاسب الآلي، بالإضافة للعمل في اللجنة الإعلامية.
س: كيف يتعامل ذوو الاحتياجات الخاصة مع الأجهزة الناطقة، وهل ترين أنها أعطتهم فسحة أكبر للتعرف على ما حولهم بمختلف الألوان والاتجاهات؟
ج: تزود الأجهزة، كالحاسب والهواتف الذكية ببرامج ناطقة، أو باستخدام تقنيات تعتمد على طريقة “برايل”، التي تمكن المكفوفين من التعامل مع برامج الحاسوب، وتطبيقات الهواتف بسهولة ويسر، كغيرهم من الأشخاص، كاستخدام برامج الأوفيس وبرامج التواصل الاجتماعي، وتوجد بعض التطبيقات المخصصة لخدمة المكفوفين، حيث تمكنهم من معرفة الألوان ووصف الصور وقراءتها ومعرفة قيمة الأوراق النقدية وغير ذلك. أصبحت التقنيات عين الكفيف، التي يبصر بها العالم، وهي بوابة رقيه وتألقه وإنتاجه.
س: برزت ولمعت أسماء لكفيفات القطيف، كيف تصفين مشاركتهن، وما أبرز الإنجازات في ذاكرتك بهذا الشأن؟
ج: يحظى مكفوفو وكفيفات القطيف بإنجازات ومواهب متميزة، حباهم الله وميزهم بها، ويحق لقطيف الخير أن تفخر بهم وتدعمهم، بإعطائهم الفرص للتعايش والإنتاج، ليرقى المجتمع بتكامل أفراده وتلاحمهم.
س: كلمة أخيرة لكِ، ما هي ولمن توجهينها؟
ج: الحمد لله على نعمه التي لا تحصى.