“كنت في قضية جنائية لمدة سنتين وبعد عناء طويل، وقبل صدور الحكم بجلسة واحدة رغب الموكل أن يحضر محاميًا آخر معي لأني موكل عن المتهم الأول والثاني، وفي الجلسة التالية لها صدر الحكم بالبراءة، ورغم كل الجهد الذي بذلته في القضية إلا أن الموكل قال: “إنني لم أنجز المعاملة لصالحهم بسرعة”، علماً بأن مواعيد الجلسات إلكترونية وهي بيد القاضي فقط أي أن الأمر خارج عن إرادتي، وكان الحكم فيها ابتدائيًا ولكنه قال إنه يريد محاميًا آخر ليستكمل نفس القضية، ومن جانبي لم أمانعه لأتفاجأ بعد فترة بأن الحكم قد تغيّر من البراءة إلى السجن لمدة سنة، وقد أحزنني أنه لم يرَ مجهودي في قضيته، وبإيقافي حسب رغبته واستكمال المحامي الجديد للقضية ليصبح السجين هو الضحية.
هكذا يحكي المحامي ثامر آل محيسن قصة توضّح جزءًا من المعاناة التي مر بها خلال مزاولته لمهنة المحاماة لمدة 4 سنوات بالمملكة العربية السعودية، بعد أن درسها بالأردن في عام 2008م وأكملها بدراسة الماجستير فيها سنة 2012/2013 ولكنه اضطر لأم يوقف دراسته به بعد سنة لظروف شخصية مر بها، وبعدها حصل على دبلوم ومن ثم تدرّب في “شركة وازن للقانون والتطوير” بالأردن ليعود لوطنه متدربًا لمدة 3 سنوات، والآن يمارس مهنته كمحامٍ رسمي في مكتب محاماة بالقطيف.
ثم سرد آل محيسن لـ«القطيف اليوم» مختصراً ليومياته: “أعمل أسبوعيًا من يوم الأحد إلى الخميس من الساعة الثامنة صباحًا حتى الخامسة مساء ًإضافة إلى عمل ميداني يومي من السابعة بالصباح حتى الثانية بعد الظهر”، ويتنقل آل محيسن بين المحاكم ومراكز الشرطة والنيابة والسجون والدوائر الحكومية الأخرى، وبعدها يعود إلى المكتب لمقابلة العملاء وإنهاء تقارير ومذكرات وتحضير لعمل اليوم التالي، فمهنة المحاماة تستوجب العمل لمدة 11 ساعة من العمل الإلزامي، منها 8 ساعات ميدانية و3 ساعات مكتبية، بالإضافة إلى الاتصالات ورسائل التواصل الاجتماعي وهذا يمثل ضغطًا كبيرًا عليه – كما عبر آل محيسن – لأن البعض لا يراعي عندما يرد عليه أنه مشغول أو يقبل بالاتصال به لاحقًا.
جانب الاستشارات القانونية خارج الحسبة، وبحسب آل محيسن؛ فإن البعض يطلب الحوار معك هاتفياً أو بالمكتب ويطيل الجلوس لأطول من ساعتين والبعض يتصل حتى خارج أوقات العمل أي بعد الساعة 10 مساءً من دون أخذ الاعتبار بأن المحامي له حياة خاصة بعد ساعات العمل لغير طارئ، متجاهلاً عائلته والتزاماته الخاصة وراحة جسمه ووقت نومه.
ينتقل أيضًا
ولا يقتصر عمل المحامي على مدينته فقط فمهنة المحاماة تدفع بمن يعشقها للتنقل بين المدن فقد يذهب إلى الشمال أو الغرب أو يقصد العاصمة أو يتجه لناحية الجنوب في حال كان المدّعى عليه خارج الاختصاص المكاني لمقر المحامي، وهذا يشكل عبئًا عليه بالسفر.
مشيرًا إلى جانب التعلّق بالمهنة قائلًا: “حب المحامي لمهنته يجعله يصبر على ذلك كله ولا يرفض استقبال من يحتاجه رغم كل الضغوط التي يعانيها بشكل يومي، حتى إن واجه من البعض تهجمًا لفظيًا حينما يتأخر رده على استشارته ولو ساعات معينة، أو التوجّه بشيء بنظره صحيح وهو مخالف قانونيًا، وعندما يجيبه المحامي بالواقع ولا تعجبه الإجابة.
المحاماة مهنة إنسانية
ووصف مهنة المحاماة بـ”المهنة الإنسانية” إضافة لكونها اجتماعية وخدمية، وكل ما نحتاجه هو عدم النظر للمحامي على أنه مهمل أو مقصّر، وإنما هي ضغوط كبيرة تصب عليه مثلنا كمثل من نترافع عنه الذي تكون لديه قضية لا تتحمل الصبر وتحاصره الضغوط النفسية، وعندما يقوم الشخص بحضور الجلسات أو المراجعة فلا يتحمل ولا يصبر من الضغط النفسي الذي يعنيه حينها وعندما تأخذ إجراءات القضية وقتًا طويلًا يبدأ بالانزعاج ويمتلئ بالطاقة السلبية وقد يؤثر على من حوله ويشعر بالتعب النفسي والبدني، فما بالكم بالمحامي عندما يكون لديه عددًا من القضايا بمختلف أنواعها، ويتعامل مع كثير من الموكلين وخاصة المسجونين منهم فهم أمانة بين يديه ويعمل لأجلهم يوميًا.
ولماذا اختار المحاماة؟ يعلل ذلك آل محيسن قائلًا: “اخترت المهنة كونها إنسانيه ولما لها من شأن عالٍ ولكونها من المهن الأساسية في المجتمع، وقوتها مثل الطبيب والمهندس فالمحاماة مهنة إنسانية شاقة تقوم بتنظيم جميع أدوار المهن في المجتمع ومرتبطة بجميع التخصصات”.
%70 يعرفون حقوقهم
وأجاب عن نسبة العارفين بحقوقهم في مجتمع القطيف بقوله: “مع الظروف الاجتماعية والاقتصادية الراهنة، ارتفعت معرفة الأفراد بحقوقهم بنسبة 60% أو 70% وهناك من الأشخاص الملم بالقانون، ولكن يكون لديه استشارة قانونية للتأكد من صحة معلوماته، ومنهم من لا يعلم حقه، والبعض يعلم جزءًا يسيرًا”.
محامٍ أو وكيل.. لكل صلاحياته الممنوحة رسميًًا
وشدد آل محيسن على ضرورة التمييز بين المحامي والوكيل فالمحامي يكون تخصص دراسته الحقوق أو القانون أو الأنظمة أو العلوم الشرعية، وكلها تحوي نفس المضمون ولكن يختلف من جامعة إلى أخرى مسمى التخصص ولكن المواد نفسها- ما عدا الشريعة – قد تختلف بعض أجزائها ويظل مسموحًا لهم ممارسة المهنة في جميع الدول العربية، وهذا نظام سارٍ فيها أيضًا، وبعد تخرجه من هذه التخصصات يذهب إلى مكتب محاماة للتدريب كـ(محامٍ متدرب) ثم يحصل على ترخيص مزاولة المهنة وفقًا لنظام المحاماة، والمحامي يستطيع تسجيل عدد قضايا غير محدود، ويكون لديه مكتب محاماة مرخّص من وزارة العدل رسميًا، وعنوان معلوم، ويستخدم في اتفاقيته مع العملاء أوراقًا رسمية، وفي حال نشأ خلاف بينهما تقام “دعوى محاسبة محامٍ”، أما الوكيل فقد أخذ الممارسة بالخبرة وليس بدراسة القانون، وليس لديه مكتب محاماة لأنه غير حاصل على الشهادة الجامعية المطلوبة، وكذلك غير مسموح له فتح مكتب محاماة بشكل رسمي لأنه غير مستوفى للشروط، ويسمح له فقط بالترافع في ثلاث قضايا وإذا كان لديه أكثر منها، فلا يسمح له بتسجيل دعوى أو حضور جلسات بالمحكمة حتي انتهاء واحدة منها على الأقل، فيتم التعامل بينه وبين العملاء من دون ورق رسمي، وفي حال نشأ الخلاف بينهما تقام “دعوى محاسبة وكيل شرعي”.
وأوضح آل محيسن أنه وفقًا للمادة 19 من نظام المحاماة؛ يحق للمحامي الاطلاع على ملف القضية بالمحاكم وديوان المظالم والنيابة، دون رفض وبقوة القانون، بينما الوكيل الشرعي لا يستطيع بحال رفض الجهة عدم اطلاعه على الملف أن يعارض ذلك، والمحامي ملم بالقوانين بدارسته وممارسته بينما الوكيل قد تنحصر خبرته في مجال محدد.
البعض يستكثر دفع الأتعاب بعد خسارة القضية!
توقع المساعدة مباشرة من قبل الموكّل أو صاحب الاستشارة، إضافة إلى حسم النتيجة لصالح الموكل، أمور يتعلق بها أصحاب القضايا، كضمان الحكم لصالحه إلا أن آل محيسن يؤكد على ضرورة التزام الصدق والشفافية مبينًا أن البعض مني مساعدته مباشرة، وأول خطوة هي تقديم استشارة قانونية له، وكذلك التوكّل عنه بقضيته والحصول على حكم لصالحه، ولكني أخبره بأن رؤيتي للقضية كالتالي وأنني سوف أبذل جل جهدي لمصلحته طالما كان على حق وأشعرت بأن المحامي التزام بدل عناية مثل الطبيب وليس شرطًا تحقيق نتيجة، وفي حال خسارة الجلسة الأولى لا يعني خسارة القضية كاملة، وأوجه موكّلي بعدم اليأس، فهناك درجة أولى ويصدر عنها حكم ابتدائي، فنقدم اعتراضًا عليه وترسل المعامله للمحكمة الأعلى درجة (محكمة الاستئناف) ثم المحكمة العليا (تميز) وإذا كل الطرق نفدت ولم يكن الحكم لصالحه ينزعج الموكل والمحامي أيضا لأن هذه أمانة وضعت بين يديه، وكلها بالنهاية إرادة الله مكتوبة وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وسبب ضيق العميل خسارة القضية وتكلفة أتعاب المحامي، والمحامي ينزعج كذلك بسبب خسارته للقضية وهذا يعتبره جزءًا من ثقة خسرها وتؤثر سلبياً تجاهه.
%40 فقط يعرفون الفرق
وذكر آل محيسن أن ما نسبته 40% فقط بالقطيف، يفرقون بين محام ووكيل، وأوعز ذلك لكبر نسبة الوكلاء بالمحافظة، فالغالبية تقول وكلنا محاميًا، ويتضح لهم فيما بعد أنه وكيل شرعي لأنه ليس صاحب مكتب ولا توجد ورقة رسمية مسجل عليها أنه محامٍ، وقد لا يقبل القاضي حضوره فيضطر إلى أن يطلب من موكّله الأصيل الحضور معه، بعكس المحامي الذي لا يحتاج حضور الأصيل بالقضية فهو يمثله في جميع الإجراءات.
على المحامين أن يكونوا خصومًا كما الوكلاء!
من أكثر الأمور غرابة هنا حساسية العلاقة الطيبة بين محامي الخصوم وكأن عليهم أن يكونوا خصومًا أيضًا، توقف آل محيسن عند هذا الجانب مستنكرًا ومركّزًا على جانب طيب العلاقة بين زملاء المهنة وقال: “المحامون يتم الحوار فيما بينهم بشكل عام وتكون بينهم علاقة طيبة وعند دخولهم قاعة المحكمة يدخلونها بشخصيات مختلفة فكل منهم يقوم بالدفاع عن موكله وعند الخروج من القاعة يرجع الحال كما كان، بالنهاية نحن نقدم خدمة ورسالة ليتضح للقضاء الحق والواقع تتضمن المطالبة بحقوق الموكل، والمحامي يسمى القضاء الواقف وهو المساعد للقاضي في إظهار الحق”.