يعد سوق السمك في سيهات، ومايطلق عليه( الچبرة ) أحد معالم المدينة البارزة، ويقع في منطقة السوق القديمة، هذا السوق كان قبل عدة عقود ماضية قبلة للباحثين عن الأسماك الطازجة من البحر إلى المائدة، ويتسم بوفرة العرض والنشاط التجاري الكبير فجمهوره شمل العديد من مدن المنطقة كالخبر والدمام، ونواحي القطيف، فالبحارون (الصيادون) كانوا يفرشون أسماكهم عبر دلاّلي ( حرّاجي) السوق فور رجوعهم من البحر. الأيدي كانت وطنية فالبحار وبائع السمك(اليزاف) ومحرج الأسماك (الدلال) كانوا سعوديين.
كانت (الچبرة) تمثل سوقاً مركزياً، فهي أتاحت عملية صيد الأسماك، وبيعه، والدلالة علية كمهنة للعديد من أبناء البلدة، كما ساهمت في سد حاجة غذائية مطلوبة للمنطقة بأعلى معايير الجودة، إلا أن السوق اليوم يواجه تحديات وصعوبات تعيق منافسته مع من حوله من أسواق مركزية.
«القطيف اليوم» التقت ببعض رواد المهنة من داخل السوق وحاورتهم عبر هذا التقرير.
بدايةً تحدث حسين عبدالله البقال أحد بائعي الأسماك في السوق عن تاريخ مزاولته للمهنة، منذ أربعين سنة، وأشار إلى أن بدايته كانت عام 1400 هجرية، فمارس البيع وهو طالب في الابتدائية، حيث كان يدرس في الصباح ويعمل في العصر.
وذكر حسين عبدالله المشامع على أن بدايته الفعلية كانت عام 1408 هـ، منذ صغره برفقة والده قبل ثلاثين عاماد تقريباً.
وأوضح البقال والمشامع بأن هناك حالياً أربع بسطات في السوق تديرها عوائل من مدينة سيهات، وهي: عائلة البقال والمشامع والرميح والجعص.
وبين المشامع بأن معظم زبائنه من مناطق سيهات والدمام وعنك والأحساء ونواحي القطيف، فيما أضاف البقال أن بعضهم يطلب من السوق عن طريق الجوال، وخدمة التوصيل للمنازل، وعلل أسباب إقبال زبائن من خارج سيهات لتعودهم على السوق منذ السابق، معقباً بأن مستوى البيع لايقارن بالسابق فقد كان البيع بنسبة70%، أما حالياً فيتراوح مابين 40-30%.
وقال المشامع إن أشهر الأسماك المطلوبة في سيهات عديدة أبرزها الصافي والكنعد، وعلق البقال بأن رغبة الناس مرتبطة بالمواسم مثل موسم طلب الميد، مضيفاً بأن السكل مرغوب كقصيب في البلدة، أما الزبائن من خارجها فتتنوع أذواقهم لتشمل أنواعاً أخرى من الأسماك.
وعن انتكاسة السوق حالياً، قال البقال مقارناً إياها بالسابق:” بسبب وفرة السمك الذي يكون طازجاً، بالأخص السمك البلدي المصتاد في الخليج، فسابقاً كان هناك حراج لذلك يكون السوق نشطاً، حالياً لايوجد حراج ودلّالة بسبب انسحاب المحرجين لأسواق أخرى، مثل الدمام وتاروت والقطيف، الذين خرجوا بسبب ضعف السوق وزيادة العمولات في الأسواق الأخرى”.
وتابع:” عندما منعوا باعة الأسماك في طرقات الاحساء، توجه معظمهم إلى طرق وأرصفة سيهات، فتوزعت الزبائن في أكثر من جهة على حساب مركزية السوق”.
كما عزى وفرة السمك في السابق لكثرة الصيادين السعوديين، على عكس الوقت الحاضر، لاتوجد إلا العمالة الأجنبية، وقد لاتتجاوز نسبة السعوديين 5%.
وأضاف:” إن الصياد في السابق يستطيع أن يربح ويغطي مصاريفه، بينما حالياً بسبب غلاء الأسعار من معدات ووقود وخبز، لايستطيع أن يفي بالمصاريف، لذلك اتجه الصيادون إلى مهن أخرى بحثاً عن مصدر رزق”.
وأشار إلى أن الكثير من الأحداث ساعدت في انتكاسة السوق، فمثلاً سنوات رواج الأسهم سحبت الكثير إليها من بينهم باعة السمك، وكذلك وجود الحفريات والصيانة المطولة للشوارع حول السوق له أثر سلبي على المرتادين، ووجود وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره ظاهرة جديدة ساهمت في الدعاية لأسواق أخرى، وأصبح جزءاً من الطلبات بواسطة الجوال.
وعن السؤال عن باعة السمك السابقين أين هم؟ ولماذا هجروا السوق؟ أجاب البقال بأن بعضهم توفي، والبعض الآخر تقاعد لكبر السن، وبعضهم تسرب إلى مهن أخرى مثل حراسة المدارس.
من جانبٍ آخر، أكد المشامع أن السمك البلدي يمتاز بأسعاره المرتفعة، التي تفوق في أسعارها السمك القادم من خارج البلد كعمان والهند وباكستان وسريلانكا وجيزان.
وعزى البقال سبب ارتفاع الأسعار للسمك البلدي لقلة الصيد، ودفن البحر وردم الشواطئ، مما أدى إلى دفن بيوت الأسماك ومراعيها، وساهم في هجرة بعضها، فسابقاً كان صيد الميد قريب من الشاطئ، أما حاليا فأعداده تعتبر قليلة، فيما مضى كان سعر الثلاجة يتراوح مابين 200 إلى 300 ريال، وحالياً قفز السعر بين 1000 إلى 1500 ريال للثلاجة، كما أن زيادة عدد السكان من أحد الأسباب، فكثرت نسبة الطلب على السمك، فمع وجود الأسماك المستوردة من الخارج ساهم في حد الأسعار، وإلا ارتفعت بشكل أكبر لا يطالها الزبون، ونوه إلى أن انخفاض الأسعار مرهون بمواسم معينة فقط لبعض الأنواع.
وعن مزاحمة العمالة الأجنبية للسعوديين أكد المشامع على ذلك، ووضح البقال بأن المحرجين الأجانب في القطيف أو الدمام قد تصل نسبتهم إلى 90% لكثرتهم، أما في سوق سيهات حالياً لا يوجد حراج.
وأضاف بأن في “الچبرة” أماكن شاغرة، والباعة غير منتظمين في دفع الإيجارات مما يسهل على المستأجر، ومع ذلك يفضل بائعو السمك الطرقات التي توجد بها حركة نشطة للناس والعابرين، مما يساهم في عملية البيع، منوهاً إلى أنه بسبب ضعف السوق المركزي توجه الباعة إلى الطرقات.
ورجا المشامع أن يكون للبلدية دور في تحسين السوق، فنجاحه مرهون بيدها، وذكر البقال بأن أصحاب البسطات بالسوق هم من أنشأ دورات المياة كخدمة عامة للسوق، وبين أن مكافحة القوارض في السوق كانت تأتي سابقاً، أما حالياً لا يوجد إلا عامل واحد يقوم بعملية النظافة، وطالب بأن يتم تجديد السوق الحالي أو بناء سوق جديد يخدم البلدة.