ورد عن الإمام الباقر (ع) : قولوا للناس أحسن ما تحبون أن يُقال لكم )( بحار الأنوار ج ٧١ ص ١٦٣).
تحظى العلاقات الاجتماعية و ترسيتها على بر الأمان و التفاهم و التفاعل الإيجابي باهتمام و عناية كبيرة في التعاليم الدينية ، فيعتبر من أهم قيمها بناء الجانب الاجتماعي و التعامل الأخلاقي في الشخصية الإيمانية ، و لذا تجد تأكيدا على التعامل باحترام و تقدير للآخر و مخاطبته بأفضل الكلمات و أعذبها ، فالمرء الفظ صاحب اللسان السليط و الذي ينطق فمه بالكلمات الخشنة الجارحة أو البذيئة يرسم صورة سلبية له في نفوس الآخرين ، و يغدو شخصا منبوذا و يتحاشى الناس الحديث أو الحوار معه بعدا عن المشاكل.
و لا نحتاج إلى تأكيد الواضحات التي ترتكز في الوجدان و منها أهمية الكلمة كأداة تخاطب و تواصل ترسم معالم علاقاتنا ، فالكلمة اصادقة مرسال الصفاء و المودة في قلوب الآخرين ، فيقرأ شخصيته و يستنبيء صفاته و طريقة تفكيره من خلال حديثه و عرضه لأفكاره و وجهات نظره ، كما أن مشاعره العاطفية و التي تخالج نفسه و يحسها تجاه الآخر ، تعبر عنها كلماته و تفصح عما يضمه بين جوانحه ، فدفء المشاعر أو برودها يمكن إدراكه من خلال تلك الكلمات التي يخاطب بها ، فالكلمة الرقيقة تقرب القلوب و تنشيء بينها علاقة المحبة و الاشتياق.
و في المقابل فإن أحد العوامل المهمة في نشوء الخلافات و المشاجرات و توتير العلاقات هي الكلمات الملتبسة أو العبارات النارية و الهجومية أو المسيئة و الجارحة أو الانتقاصية و المقزمة لأفكار و الأشخاص و المعتقدات ، كلها أدوات تعيق بناء جسور المحبة والتفاهم و التعاون بين أطياف المجتمع ، و تنشيء حواجز مصطنعة تبعدهم عن بعض و تفرقهم .
من أدوات التواصل الإيجابي المهمة هي الكلمة المسئولة و الهادفة ، إذ توطد العلاقات الاجتماعية فتقيم التفاعل بينهم على خطى واضحة ، و أما أولئك المزاجيون – مثلا – و الذين لا يقيمون وزنا و لا اهتماما للآخرين ، فيتعاملون معهم بتقلب غير مفهوم يجعل الغير يبتعد و ينفر منهم ، ففي لحظة غير متوقعة ينطلق لسانه بما يؤذي الطرف الآخر و يلحق به من التعب و الأسى الشيء الكثير ، و آخر يتصف بالثرثرة فيسبب إزعاجا و ضجرا للغير من كثرة كلامه ، و آخر يمسك بدفة الحوار فلا يفسح المجال للآخر بنطق أي كلمة بل يجعله مستمعا فقط !!
الميزان و المعيار الذي يضعه الإمام الباقر (ع) للعلاقات الناجحة و الحديث المؤنس المثمر ، هو وجداني بسيط لا يحتاج إلى جهد كبير لإثباته بتسطير و استعراض البراهين و الشواهد المثبتة له ، بل بأدنى التفاتة من المرء لنفسه و النظر لما هو محبب له ، نجد أن الكلمة الصادقة الهادئة و الهادفة تسكب عليه الارتياح و الانجذاب للآخر ، و الكلمات العنيفة تغلق القلوب و توجب تنافرها و توتر النفس ، فمن أراد أن يكون شخصا فعالا و محبوبا و محترما بين الناس و علاقاته ناجحة ، فليكن صاحب كلمة لينة تكاثف أغصان الاحترام له ، فالاختلاف في وجهات النظر لم يكن يوما سببا للنفرة و الكراهية ما دام سياقه يجري في قناة الاحترام و السلاسة في الكلام .