لابد أن أحييكم في هدوء هذا الليل والساعة تشير إلى الثالثة فجرا, والدهشة بأني أتجنب الكتابة لكم وأنا مرتبكة حيث أكره الارتباك, منذ البدء لا أعرف بالضبط هل امسك قلمي هنا أم أضع كوب قهوتي هناك,دعك من كل هذا أيها القارئ وعلي أن اكتب فأمامي طريق صعب اجتيازه, اعتقد كل شي قد كتبت عنه ولم يبقى هناك شيء سوى الدخول في الاعتراف أمام القارئ, ليتني أستطيع أن أملك مفتاح حكايتي هذا المساء,فبدأت بالعنوان فعنوان مقالي أكبر من مقال واحد, احتاج أن أقلم أظافري قبل المواجهة وعلي أن أتكبد كل الاحتمالات,وأنا لم استعد للنهايات المدهشة بعد, وهكذا أسير صوب خيالي الملهم وأنا أحاكي ذاتي للتعبير عن إحساسي المليء بالبوح والصدق, ثمة شيء يصعب فهمه ولا أريد إجهادك أيها القارئ معي, أحب أن تتنفس وأنت تقرأني, ولابد أن يكون لديك يا قارئي العزيز وقتا لكي تتمتع بقراءتي, لأكون حينها في أعلى درجات الهدوء والسكينة والرضا.
كان مساءا يلقي بسمائه أعباء على قلبي والتفكير من أين أبدأ وكيف، فكرة تتشرب في الآذان لا يطاق سماعها كما يتراءى لي، وتجاوز استثنائي أصبح ذكرى موجعة, كان ذلك مساء ككل المساءات كان حارا خالياً إلا من التوتر الداخلي ، وكانت فكرة الاعتذار مهيمنة حاضرة في كل التفاصيل، لكن الأقسى ما بعد الاعتذار، ولكن لم أستطع أن أعلنه إذ أحسست إنه غير لائق في ذلك الوقت الصعب, حتى لا يترك حرجا يبعث أسى عميق ووجعا يئن له قلبي,كانت روحي مضطربة قلقة من كل الأشياء، خاوية من المواجهة،ولا تقوى على البوح وكأن التوتر الذاتي لموقفي يتمركز تحت خلاياي وبين أوردتي, في أحد الأيام كان الحوار محتدماً، وجاداً حول موضوع لن أنوه عنه الآن،وكانت الساعة الثالثة فجرا من عمر الارتباك حيث الفجر غير بعيد إلا إن الظلام لازال يخيم على المكان حين قررت الكتابة بشأن هذا الأمر, وكنت حينها في مد وجزر استثنائي فيما يخص قرار الكتابة لانشغالي بما لم يخطر على بالي يوماً، بالرغم من ذلك فأنا أكتب وفجأة أنقطع بسبب بعض المشاغل, لكن الحنين هو الذي يرجعني, حيث هناك ثمة من ينتظر كتاباتي, لا أخفي عليكم وكأنني لست أنا التي ستكتب هذا المقال، ولكني حاولت وبجلسة لاهثة وبأفكار متناثرة أن ألعب بالسطور, وربما ألملم تلك الأفكار لأصيغها إليكم.
ما دفعني لكتابة مقالي هذا هو أمر ما حدث غير متوقع, وقد يبدو الأمر تجاوز غير مقصود رغم إنني أحترم الجميع, ولكن لابد من الإضاءة لما حدث حين أكون صاحبة موقف، كان لابد أن أتصرف على أساسه, وهكذا فأنني اتخذت قراراً لا رجعة فيه أن هذه السويعات القادمة ستكون الفاصلة وكأنها قد مسحت العديد من ساعات التوتر والحرج وأي حرج في هذا المساء بلا نجوم, وكان قراري قد أستغرق أقل من ساعة لأعتذر لمن تستحق اعتذاري لتهدأ العاصفة والنفوس، ويعود قلمي وقلبي وقهوتي إلى سكونهم, وهنا قررت لابد أن أكتب لها تحت أي كيف, فحياة رحلة الكتابة غريبة قد ترفعك وتسمو بك وقد ترميك في الحضيض والكثير يعتقد انه طريق الصعود, لا أعرف أهو سوء الحظ أم حسنه هذا الذي رماني في هذا المأزق الصعب! كان لي خياران ولا ثالث لهما، فأما أن أكتب مجرد الكتابة وهذا غير ممكن وغير مناسب، وأما أن أكتب كعادتي بصدق وكان هذا هو الأنسب ، إذ ربما لن يكون هناك بالسماء نجوما، أو سأقضي الليل بترقب تلك النجوم حيث كانت لهفتي تشتد لرؤية الصباح الذي بعدت المسافة بيني وبينه.
قبل كتابة مقالي جلست أناجي الله وحدي, تحدثت طويلاً وبكيت كثيراً وشعرت بفيضٍ من الراحة والرضا يغمر قلبي فلم أملك ابتسامة واسعة تبللها الدموع, سجدت شاكرة وأنا أفكر, أشعر في هذه اللحظة المتوهجة إنه قد يذرف القارئ دمعتين عندما استطردت في المقال, وأدرك بهذه اللحظة إنني بدأت أفكر بتلك الكلمة التي سأكتبها وأرغب بالتفكير بها بصوت رفيع, ولا أخفي عليك إحساسا داخليا يلبسني ويسكنني وقد لا أصل إلى ما أريده هنا في مقالي, هناك أشياء كثيرة حد الدهشة أريد التحدث عنها ولكني أجد نفسي عاجزة عن ذلك, بت لا أغادر المعنى خوفا من أن يستدرجني القلق ويحاصرني هنا وهناك, ولن أستسلم رغم إنني إنسانة مجبولة على الشفافية, كنت دائما ولا زلت أتحدث إلى نفسي ماذا يفعل المرء عندما يخطأ في حق الغير دون قصد, وهل نحن نحتاج دائماً إلى المثل العليا لتبرير أي شأن مهما سما،أم هناك خرق في المعايير الأخلاقية, أدرك أنه سؤال صعب لجواب قد يكون صعبا أيضا, هذا ما شعرت به عند تجاوزي وأنا أحاول هنا استرضاء ضميري, أعترف لعلني فقدت صدق نبلي قليلا فأخذت أفكر بقلق كبير، وقررت نعم قررت بيني وبين نفسي أن أعيد شحذ شهامتي وضميري وان أعيد ذلك الالق الضائع، وان أسن سيف النبل الذي صدئ في داخلي مرة يا لها من يقظة داهمتني قبل فوات الأوان !
كنت أتكئ على حافة الطاولة و كأني أقص عليك بعض ما أشعر به لعلني أعيد لمقالي هيبته, وأيضا أريد أن يصل للقارئ بأكثر إجلالا وجرأه وجمالا, أن ميزة مقالي الأساسية أن تمنح القارئ صدقي وتملأ روح شخصية هذا المقال احترامي واعتذاري, الذي ترجل مني آه لو تتسع لك الاعتذارات والانحناءات أيتها الفاضلة, إذا عرفت أيها القارئ وراء هذا المقال شخصية ما حينها سوف تكف عن الاستغراب والدهشة وتتابع القراءة دون تعجب, ألم أقل لك إنني شفافة حد الرقة كيف تتخيل أن هناك تناقض ما, أو نسيت إن الأسود يناسب الأبيض وأن الليل يواجه النهار, ولابد هنا من الاستسلام كي أتجاوز الحدث لأبدأ بمقالي, وأجد نفسي قادرة على طرح الفكرة لإيصالها لمن له نصيب فيها, وهنا وبصدق اشعر الآن نعم مجرد شعور, هناك شيء ما يقع على رأسي ويخترق عقلي وقلبي فاصرخ قائلة: لقد أدركت الموقف وعشت أبعاده ولن أتردد إن قلت بعفويتي إن هذا المقال يشبهني تماما, أعذروني فالكتابة حالة خاصة جدا قد تأسر وتدهش البعض في سريتها وغايتها وخصوصيتها, هذا هو الذي يشجع القارئ المحترف للبحث عن المغزى بطريقته.
كنت أفكر وأنا اكتب هنا بتلك البساطة والتواضع في نبل وكرم ورقي هذه الإنسانة, عندما قدمت اعتذاري الصادق لتلك النبيلة قابلت اعتذاري بنبل باذخ, بل احتوتني بإنسانية صافية وكلما أتذكر تزداد سعادتي ويزداد قلبي حبا واحتراما لها, وقد جعلني نبلها وعفوها اشعر بالخجل والحرج من نفسي إزاء تسامحها السريع وتحفظها الشديد, كان هما كبيرا قد انزاح عن صدري لم يكن لدي ما يمكن أقدمه لصاحبة العفو, وأصابتني الحيرة حتى هدأت و اهتديت أن أصلي ركعتين شكرا لله, ودعوت ربي أن يقضي حاجة تلك الشخصية الفاضلة, والتي ستصاب بالدهشة من خذلاني إياها حيث طلبت مني بعدم إثارة هذا الأمر وعدم الاعتذار هنا, لتكمل معي إنسانيتها النبيلة ولكن أبيت ذلك إرضاء لروحي ومثلما عرفتها وجدتها, والآن لم كل هذا البوح ؟ لا أعرف بالضبط وليكن بوحي هكذا, وهناك الكثير في حياتي يدفعني للبوح, ولكن ليس هذا بيت القصيد بل هناك رغبة جادة في أن أحقق الهدوء داخلي.
وأخيرا المحك يا سيدتي الفاضلة هنا وأنت تبتسمين كالقمر بين النجوم, ترفعين شعار التسامح, أنت وحدك من أسرني بعفوك وشهامتك والتي بها أيقظتني من حرج كاد أن يورثني وجعا,وأنا أشعر بالفخر والرضا لأني نلت شرف الكتابة عنك بعد أن تمردت على حدود الصمت, ما أجملك وما أجمل روحك حيث للنبل جمال آخر, وهنا أنحني لك حتى يطأ جبيني الأرض تقديرا لك.