تضع سلتها على طاولة عند الباب، وتعود مسرعةً لبيتها، السلة مليئة بخبز “التاوة” مغلف وبلا نكهات،لا تقف لتحرسه، أوكلت أمرها لبارئها ولثقتها بأبناء بلدتها “العوامية”، وأمانتهم، حيث يضعون 10 ريالات لم تزدها الضريبة شيء داخل السلة أو تحتها مقابل كيس واحد امتلأ بـ10 أقراص.
في العام الماضي كان هنا، يجلس بجوار السلة منذ الظهر ووضع مع “التاوة” عدة فلينات من الرامسي، مجرباً بيعه في موقع استراتيجي عند زاوية بلدته، حيث منزله الأخير قبل المزارع، مساعداً شريكة العمر في تسويق منتجها وساعياً معها على عياله.
ورحل منذ أشهر الحاج محمد حسين الصربي “أبو حسين”، الرجل الذي تشهد على طيبته مواقف وأحداث، وترك الحاجة مدينة عبدالله الفردان “أم حسين” بلا أبناء، بعد سنوات تملؤها ذكريات السعادة والألم، ومجريات الحياة، حيث كانا معاً عندما تقاسما رغيف الوجع، على فراق ابن وحيد قضى في حادث سير، وعمره لم يتجاوز الرابعة عشر عاماً.
تعيش الحاجة مدينة الآن مع أبناء زوجها تحبهم كولدها، وتجد فيهم رائحة غائب كان يجلس معها، ويسامرها، ويحتسي الشاي والقهوة ويأخذ السلة منها ويجلس خارجا،ً لأن شيمة القروي والعسكري السابق تأنف أن تجلس حريمات الدار عند قارعة الطريق.
وبعد أذان الظهر توقد النار تحت مقلاة التاوة، وبحذر الخبيرة تمرر يديها بالعجينة الناعمة على المقلاة، وتضيف لك النكهة التي ترغب بها، فهناك جبن وزعتر وشكولاتة، والعجينة أعدت قبلها بساعة، بها طحين أسمر وأبيض وسكر وماء فقط، يجلب مكوناتها وأغراضها أحد أبناء البلدة شاب في عمر ولدها الراحل، يفضل عدم ذكر اسمه لأنه من “أولاد الخير” الذين لا يقصرون.
تقول أم حسين عند استقبال كل زائرة أو قاصدة لها بالشراء “حي الله إقبالك”، وهي كلمة ترحبيبة مفادها “أهلاً وسهلاً، سعدنا بمقدمك”، بصوت ملأته السنون رزانة وقوة مع إن السنوات لم تستطع أن تحفر على وجهها أثر إذ ظلت ابتسمتها المشرقة تسفر عن وجه منير راضٍ بالقضاء والقدر، وعيناها تجوب المكان وهي تحدثك عن ذكريات بناء البيت، ورحيل ابن وزوج، مع حرفة شريفة جعلت منزلها مقصداً للنساء وأما الأولاد فتتستر عنهم عبر حجاب، وتوصل لهم طلباتهم عند الباب، وقد ساعدها أحد أبناء زوجها ليقف مكان أبيه، ليعلمها كما ورث عنه، بأنك لن تضيعي ما دام عندك في البيت رجال.
وتجهز أم حسين الطلبات وتشارك في المهرجانات، وعن طموحها تبتسم وتقول:” أتمنى ان أدخل بحرفيتي المدارس”.