صداع

ينشد الإنسان السوي راحة البال و البعد عن أي منغصات تؤرق استقراره و هدوءه ، و لذا يحاول تجنب كل ما من شأنه أن يخلق له المتاعب و المشاكل ، فالحوارات الساخنة و المشاجرات و فتح الملفات القديمة و المواجهات الانفعالية كلها موارد لفتح مشاكل تعرف بدايتها و لا تستطيع حتى تخمين نهاياتها ، فالسعداء لهم قدرة في التعامل الحكيم مع أي أزمة تنشأ لهم بنحو مفاجيء ، فيعملون على تجاوزها دون الدخول في المهاترات و المشاحنات مع أحد ، فإن صداع المشاكل يسلب منا أفضل أوقاتنا .

و تتفاجأ بوجود أشخاص لهم قدرة عجيبة في توليد و توليف المشاكل و الأزمات بإتقان ، فالأجواء الصافية و الخالية من سحائب الخلافات و الكآبة تكدرهم و لا يحبذون حلولها و لو لساعات ، بل تستهويهم أجواء الصراخ و النكد و الخلافات بنحو لا يملون منها أبدا ، و إن لم يجدوا ما ينكد على الآخرين حياتهم و لم يكن بين أيديهم مشكلة ينفخون فيها لتسعيرها ، لجأوا إلى استفزاز الغير و إثارته و إغضابه بأي نحو كان ؛ ليسعدوا بالدخول في معترك مشكلة لم تكن بالحسبان .

بلا شك أن هؤلاء المختلقين للمشاكل يعانون من اختلال نفسي ينم عن شخصية غير سوية ، و إلا فإن الإنسان بطبعه و كذلك لا نشغاله بتكوين نفسه و تحقيق آماله و أهدافه ، يسعى لتجنب تلك العراقيل التي تستنزف جهده و وقته ، و أي ضياع للوقت أعظم من إقحام المرء لنفسه في تسلسل من أزمات هو يستنبتها و يخلقها ، و تجعله شخصا منبوذا يتحاشى الآخرون الحديث أو التواصل معه ، لما يسببه لهم من انفعال شديد و توتير في العلاقات .
و في مجتمعنا أمثلة كثيرة لمثل هذه الحالة العجيبة ، فالمشاحنات و المناكفات بين الزوجة و والدة زوجها أو أخواته و اختلاق المتاعب و المشاكل شاهد على ذلك ، إذ تعمد إحداهما لإغضاب الأخرى و إغاظتها بأي شكل لخلق مشكلة ، و مسكين ذلك الزوج الذي يقضي وقته بالاستماع لهن لمحاولة إيجاد حل ، في الحقيقة هو بعيد المنال و لا يمكن الظفر به لأنه لا وجود واقعي لمشكلة معينة ، و إنما هي الغيرة التي تدفعهن للمشاكل .

و ساحة الدراسة و العمل بيئة خصبة و مناسبة لهؤلاء المعتلين لممارسة هوايتهم باستجذار الخلافات و الملاسنات ، فيعمد إلى تلغيم علاقات زملائه بالفتن و الشائعات و الأخبار الملفقة ، رغبة منه في تسخين الأجواء و تهيئة الظروف لدخولهم في خلافات تقطع حبائل التواصل بينهم ، فلا يهنأ أبدا لرؤية زميلين له يتبادلان الاحترام و الود و التعاون المثمر بينهما ، فيبادر إلى طرح ما يبذر الخلاف بينهما و تشتيت جمعتهما ، و لا يهنأ له بال حتى يرى نار الخلاف و المشاحنة دبت بينهما حتى أدت إلى القطيعة .

و أفضل طريقة للتعامل مع هذه الشخصيات الاستفزازية تجنب الدخول معه في جوارات لا تحمد عقباها ، فإنك لن تجاريه في ميدان يتقن فيه رمي سهامه بدقة ، و ضبط النفس و التحكم بانفعالاتنا هو ما يجنبنا الصدام معهم ، و مهما تناهى إلى مسامعنا من كلام مستفز لا أصل له فليكن التغافل هو قانون التعامل معه ، فالجدال و النقاش معه هي المصيدة التي أعد فخاخها بإحكام ، و تجاهل محاولاته لخلق المشاكل هو أفضل الحلول التي تجنبنا قدرا كبيرا من الضغوط النفسية و تضييع الوقت .


error: المحتوي محمي