تستوقفهم اللحظة، يفتنهم الضوء حين الصدفة، تشدهم الوجوه، ومشاعرها المرتسمة خلف حدث ما.. يحاولون إيقاف ذلك كله، واختزاله في ذاكرةٍ لا تموت، فالفرصة قد لا تتكرر، والصورة قد لا ترتسم من جديد بكل تفاصيلها وشخوصها، ولا حتى فتنة ضوئها، ولكن ما الحل، وهم لن ينتظروا أن تقفز الكاميرا أمامهم فجأة، أو لن يستهلكوا الوقت في ضبط الإعدادات واختيار العدسة المناسبة؟!
تتسلل يدهم بكل بساطة إلى جيوبهم، ويستخرجون هاتفهم، ويصوبونه كصياد التقى بطائرٍ نادر، ضغطة واحدة، و.. ستجد كماً من الجمال قد سكن ذاكرة ذلك الهاتف.
بعد هذا كله، هل يعقل أن تكون في التقاطاتهم انعكاساتٌ تضاهي التقاطات الكاميرا الاحترافية؟!
لمَ لا!، وهم في أصلهم مبدعون، يخلقون الجمال من خطوط وجهٍ غائرٍ في القِدم، أو من شغب طفلٍ كان يلهو أمامهم ذات صدفة.
تلك الصدفة التي قد تتوجهم بمراكز أولى، وميداليات وجوائز محلية أو عالمية، كل ذلك من “ضغطة جوال”.
تنافس يُخرِج إبداعاً
شهدت الهواتف النقالة في سنواتها الأخيرة تنافساً ملحوظاً في كاميراتها، وبعد أن كانت الكاميرا مجرد ميزة إضافية لتلك الهواتف قبل أكثر من عشر سنوات تقريباً، أصبحت اليوم مكوناً أساسياً، تتنافس الشركات في تصنيعه وتدعيمه؛ ولو أن أحد المصنعين لتلك الكاميرات يطلع على بعضٍ من التقاطات فوتوغرافيي القطيف لأيقن بأن عمله قد تكلل بالنجاح.
«القطيف اليوم» كان لها وقفة مع فوتوغرافيين وفوتوغرافيات أصبحوا يتعاملون مع كاميرا هواتفهم كالكاميرا الاحترافية تماماً، حتى أنهم نافسوا بإنتاجهم “الهاتفي” في الكثير من المسابقات.
مسابقات فوتوغرافية بـ «ضغطة هاتف»
يذكر الفوتوغرافي العالمي عباس آل خميس بأن بعض المسابقات الرسمية، شارك فيها المتنافسون بصور التقطوها من هواتفهم، بل أن بعضها كان مخصصاً لالتقاطات الهواتف النقالة، وهي كأي مسابقات أخرى تكون خاضعة لمقاييس محددة، وتمر على لجنة تحكيمٍ متمرسة.
أما الفوتوغرافي محمد الخراري فقد أكد مشاركته في إحدى تلك المسابقات وفوزه بالجائزة الشرفية.
وكان لوسائل التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والإنستغرام دورها الكبير في بث ذلك النوع من المسابقات، وهذا ما أشار إليه الفوتوغرافي سعيد عبدالكريم، والذي شارك في عددٍ منها وحصد بعض جوائزها.
رحلة بلا كاميرا، ما النتيجة؟!
الفوتوغرافي أحمد عبدالعال قال بأنه استفاد جداً من كاميرا هاتفه، خصوصاً في نزهاته التي لم ترافقه فيها الكاميرا.
وهذا ما اتفقت معه فيه جميلة الفارس، فبعد أن تدربت على التصوير على يد الفنان عباس الخميس، اضطرتها ظروفها للسفر خارجاً، لكنها لم توقف هوايتها في زحمة ارتباطاتها الخارجية، وكان “الجوال” هو المساند لها في تلك الرحلات.
وتوجه الفوتوغرافي حسين السلطان لاستخدام الجوال في رحلات خاصة فقط، فهو يستعين بهاتفه في رحلاته الدينية، والتي يُمنع إدخال الكاميرا في بعض تلك الأماكن حسب قوله.
وكان لثقل الكاميرا دورٌ في تمرس الفوتوغرافي عبدالله الخنيزي على التصوير بهاتفه، وإنتاج صورٍ احترافية، كانت حصيلة رحلاته في سفره.
بداية لم تكن احترافية!
يبدو أن التجربة تخلق الإبداع، ومحاولة خوض كل ماهو جديد لابد أن يظهر بنتيجة جيدة، حتى وإن تأخرت النتائج التي نرجوها.. تجربة الفوتوغرافية زينب الزاير تؤكد ذلك، حيث أنها بدأت بالتصوير مع بداية ظهور الجوالات المزودة بالكاميرا، وكانت “العشوائية” السمة التي وصفت بها التقاطاتها، إلا أنها وصلت بعد ذالك إلى مستوى متقدم، بعد إلمامها بأسس وقواعد التصوير،
ومتابعة دروس التصوير بواسطة الجوال في برنامج اليوتيوب، حتى أصبحت اليوم واحدة من فوتوغرافيات المنطقة، واشتهرت بأسلوبها الخاص في تصوير الحياة الشارع، كل ذلك من كاميرا هاتف!
وبدأ الفوتوغرافي الخراري باستخدام كاميرات الجوال منذ ظهورها إيضاً، إلا أنه كانت له بعض الملاحظات في حديثه:” لم تكن في بداية ظهورها بالمستوى المطلوب، لرداءة الصور من الجانب التقني، ولكن بعد تحسن أداء كاميرات الجوال أصبحت أكثر اهتماماً بالتقاط صور جميلة باستخدام الجوال”.
وقد فاجأنا الفوتوغرافي سعيد عبدالكريم والذي برع في التقاطات السلويت، بزوايا وأفكار متنوعة، بأنه لم يبدأ التصوير بالجوال إلا قبل سنتين من الآن تقريباً.
أما الفوتوغرافي علي القصاب قال:” كان أول اهتمام لي بكاميرات الجوال بعد انطلاقة قوية لشركة سوني أركسون بموديل K750i، بكاميرا مميزة وذات أداء مبهر في حينها عام ٢٠٠٥م، ثم أخذت الشركات بالتنافس حتى امتلكت أول كاميرا احترافية عام ٢٠١٥م، ومن هنا بدأ المشوار بالاهتمام بالتصوير، سواء بكاميرات DSLR الاحترافية، أو بكاميرات الجوال”.
ولربما كان الهاتف النقال الشرارة الأولى التي أوقدت موهبة حسين السلطان في التصوير، حيث يذكر بأنه بدأ التقاطاته الهاتفية قبل الكاميرا الاحترافية، وذلك في سفره أو رحلات المدرسة أو العائلة منذ عام 2012.
خفة الجوال، هل بدأت في إزاحة ثقل الكاميرا من أيدي البعض؟
في ظل التقنية الحديثة وتنافس الشركات في تصنيع كاميرات خاصة بالجوالات ذات جودة عالية، يجد محمد الخراري بأن هذا أحد الأسباب المهمة لحضور الصورة المميزة الملتقطة بالجوال.
ويؤكد على ذلك حسين السلطان، فهو يرى بأن هناك هواة ومصورون، لديهم فقط صور بكاميرا الجوال، وينافسون بتصويرهم مصورين بكاميرا احترافية.
ويوافقهما علي القصاب في جزءٍ من ذلك، حيث يقول:”لجأ الكثيرون لاقتناء الهواتف ذات كاميرا بمواصفات عالية، للاستغناء عن ثقل الكاميرات الأخرى، ولكن لا غنى عن الكاميرا الاحترافية للمحترفين، لأنهم يريدون أعمالاً ذات جودة عالية من الصعب الحصول عليها من كاميرا الجوال”.
وتضم الفوتوغرافية الزاير صوتها للقصاب، فهي تعتقد بأن كاميرا الجوال أزاحت الكاميرا الاحترافية، ولكن بشكل جزئي، مضيفةً:” تبقى لكاميرا الجوال إمكانياتها المحدودة، التي قد تكفي في بعض مجالات التصوير، وتكون قاصرة في البعض الآخر مقارنة بالكاميرا الاحترافية”.
ويرى أحمد عبدالعال بأن الكاميرا الاحترافية هي المتصدرة في إنتاج صور بمواصفات عالية في الدقة، إلا أن ذلك لا يمنع من أن التقاطات الهواتف النقالة بدأت تنافسها بصورة واضحة جداً، سيما حين يكون المستخدم ملماً بالإعدادات ويمتلك عيناً فنية.
إعدادات أم إبداعٌ بالفطرة!
يقول الفوتوغرافي سعيد عبدالكريم:”يحتاج التصوير بالجوال للإعدادات كما الكاميرا، وعلى الرغم من مقدرة أي شخص أن يبدع، إلا أن التصوير بالجوال يحتاج إلى احترافية مصور، للخروج بعمل جميل وأكثر احترافية”.
حسين السلطان، قال:”هناك قواعد تنطبق على من يصور بالكاميرا الاحترافية وكاميرا الجوال، كقواعد التكوين، والآن بعض الجوالات تتحكم بلآيزو والشتر وفتحة العدسة، لذلك قد يبدع الشخص العادي إذا كان يمتلك عين وعقل فنان فوتوغرافي”.
وكان لـ نجيب عبدالعال ذات الرأي، حيث يقول:” لابد من الفكرة ثم الإلمام بأساسيات التصوير البسيطة كمثلث الضوء والتكوين وغيرها”.
وأضاف لهما علي القصاب، بأنه “من الممكن للشخص العادي أن يتقن التصوير، إلا أن المصور بالجوال يحتاج إلى معرفة أمور مهمة كي يخرج بصورة ممتازة، ولخصها في أربع نقاط، هي: معرفة خصائص الجوال نفسه، استخدام وتوظيف الضوء الطبيعي بقدر الإمكان، اتباع قواعد التصوير العامة والتكوين الجيد والمناسب، الزاوية المناسبة”.
وفي ذات السياق، يرى محمد الخراري بأنه لا فرق بين كاميرا الجوال والكاميرات الأخرى، مضيفاً: “عين الفنان وحساسيتها لاقتناص المواضيع بإضاءة مميزة، هو سر نجاح تلك الصور المميزة، طبعًا لابد بإلمام بسيط بالبرامج التي تساهم في تحسين جودة الصور، ومعالجتها بالطريقة التي يفضلها المصور”.
الجوال موجه لعامة الناس ليس للمصورين فقط، هذا ماتؤكده الفوتوغرافية الزاير، وتفَصِل حديثها:” من ناحية استخدامه كأداة، فهو سهل، وفي متناول الجميع، فقط تختلف النظرة الفنية للمصور، والمستخدم العادي، ولا فرق تقريباً من الناحيه التقنية، ولكن على الفرد الإلمام بقواعد وأساسيات التصوير، وأن يطبقها أثناء التقاط الصور، حتى يخرج بصور فنية واحترافية، إضافة إلى الإعدادات المتنوعة في التطبيقات والبرامج الخاصة بالجوالات، فهي تخدم في إخراج صور ترقى للمستوى المطلوب”.
أما عباس الخميس فيؤمن بأن الإبداع قد يولد من أبسط الأشياء، ولذلك انطلق مؤخراً في تقديم دورات أو ورش عمل بسيطة للتصوير بالجوال، كما أنه شارك في تحكيم أكثر من مسابقة في هذا المجال من التصوير، وعلى الرغم من ذلك مازالت كفة الاحترافية ترجح بالنسبة له، كبقية زملائه الفوتوغرافيين.
في ميزان الاستخدام.. أيهما ترجح كفته
“من الصعب أن تفاضل بين كاميرا الجوال والكاميرا الاحترافية، لأن تلك المفاضلة غير عادلة، ولكن بالإمكان أن نتفق على أن الصورة الناجحة تعتمد على المصور أولاً ثم على إمكانيات الكاميرا” ذلك مايراه القصاب في جانب المفاضلة بين الكاميراتين.
وكذلك تجد الزاير بأنه على الرغم من التطور الكبير في جودة كاميرا الهواتف النقالة في وقتنا الحالي، إلا أنه تبقى للكاميرا الجودة الأفضل وخيارات التحكم الأكثر والتي تخدم المصور في مشاريعه الإبداعية أكثر، ولكن يبقى للهاتف ميزة خفة الوزن وسهولة الاستخدام، وصغر الحجم، الذي يكون أقل لفتاً لنظر الناس في بعض المحاور.
ويشارك أحمد عبدالعال بذات الرأي، فهو يؤكد بأن خفة الهواتف، جعلت استخدامها منتشراً، خصوصاً في الالتقاطات التي تحتاج للسرعة وعدم الانتظار.
ويضم الخراري صوته لهما: “لاشك أن الأجهزة المتخصصة يكون أداؤها أفضل، ولذا فكاميرات التصوير وخياراتها الواسعة تؤثر إيجابًا على جودة الصور، ولكن مع التطور التقني وفي ظروف الإضاءة المناسبة فالفرق أصبح أضيق بينهما”.
ويأتي “عبدالكريم” برأي مغاير فهو يتفق معهم بأن جودة “الاحترافية” تغلبت على الهواتف، إلا أنه يجد بأن هناك أعمال كثير تساوت في الاحترافية والإبداع بين الجوال والكاميرا.
وأخيراً.. يبقى لكل فنٍ محبوه، أو مؤيدون له، وستظل صور الهواتف النقالة تنتشر طالما أن “موديلاتها” في تحديثٍ دائم، وطالما أن الحياة دائمةً في إنتاج لحظاتٍ من حقها أن تستوقف، أو تحفظ في الذاكرة، ولن يكون هناك فرق بماذا التقطت ومن التقطها، الفرق ستكتشفها عينٌ عشقت الفن حتى بات يستوقفها مهما كان صانعه.
جولة «القطيف اليوم» في هواتف الفواتوغرافيين:
نجيب عبدالعال
جميلة الفارس
أحمد عبدالعال
سعيد عبدالكريم
حسين السلطان
عباس الخميس
زينب الزاير
عبدالله الخنيزي
محمد الخراري
علي القصاب