الحنكة و الوعي الذي يتمتع به الفرد من أجل اتخاذ القرارات الصائبة في حياته ، و تجنبه الوقوع في الأخطاء و حفر التهور أو الغفلة و نوادم الأيام ، بالتأكيد لا تأتي من فراغ و بلا بنية فكرية قادرة على التعامل مع الأحداث و الوقائع بدراية و إحاطة ، و هذه الحرفية و التعامل الأصوب مع أي مشكلة تنم عن خلفية ثقافية و اجتماعية و قراءة واعية للمستقبل و عواقب الأمور ، فالحياة خشبة مسرح تقدم في كل يوم جديدها و بواطن مسيرها ، لمن يجيد التقاط بثها بأذن واعية و قلب لا تحيطه غشاوة الجهل ، و الضياع في ميدان الحياة حيث يسعى برجل عرجاء تكبلها المخاوف و التردد ، و عقل أصابه الزمن بالتشويش و قراءة الأفكار و الأحداث بلغة العاطفة أو الأمعية ، لن يسعفه هذا المشي المتعثر أمام عثرات الأحداث .
و محاولة البعض سلوك الطريق السريع غير المبني على أسس متينة ، فيحاول تقمص دور الحكمة زعما بذلك يسقطه من الأعين قراءاته الخاطئة المتكررة ، فعداد المواقف هو ما تطمئن له النفوس بالصوابية أو القراءة الناضجة ، فكثير من الادعاءات زبد يذهب جفاء ، و فقاعات لا تصمد أمام هبة اختبار خفيفة .
و من عوامل الضعف في شخصية الإنسان أن لا يمتلك قرارا مستقلا يتحمل مسئولية اتخاذه ، بل تجده إما دائم التردد فيقدم رجلا و يؤخر أخرى ، أو يكون بوقا يردد صدى الأصوات المتداخلة بلا وعي و لا تمييز بينها ، و هذه النقطة تحتاج إلى معالجة تعيده لسكة النظرات المتأنية و القراءات الواعية في دراسة أي مشكلة يمر بها ، و ليس هناك من معين أكثر من ثقيف النفس و قراءة الكتب التي تنمي المدركات العقلية في مختلف الجوانب الفكرية و الاجتماعية و غيرها .
كما أن العصف الذهني و استماع الرأي الآخر مما يعيد صياغة الفكر ، فمجالسة أهل الحكمة و العلم ممن يتصفون بالرزانة و الهدوء النفسي يمده بالاتزان مدا .
و لا يقدح ذلك الإنصات للعقول الواعية في مبدأ استقلالية القرار ، فالاستعانة بالمفكرين و النخب الثقافية و العلمية لا يعني إلغاء العقل ، بل هو بحث و تدقيق ما بين وجهات النظر و المقارنة ما بينها ؛ لتتبلور عنده الفكرة و المآلات بوضوح و من ثم يستطيع اتخاذ الخطوات النظرية و العملية للحل .
و متى ما استشعر الفرد بأن اتخاذ القرار الهاديء و البعيد عن الانفعالات ، يشكل جانبا جماليا لشخصيته ينم عن نفس حكيمة ، و يكسبه ثقة الآخرين و يعطيه مكانة واقعية بينهم ، سيساهم ذلك في بث ثقافة اتخاذ القرار و قناعته بها كمفردة سلوكية تميزه .