«فيصل الزواد» ثروة علمية مهدرة ونواة لمشاريع إنمائية ..

لم أتفاجأ كثيراً عندما قرأت نبأ حصول الأخ الحاج فيصل آل زواد ” حفظه الله” على شهادة الدكتوراه في تخصصه المهم العلوم البيئية، في الوقت الذي يستعد فيه للتقاعد من وظيفته بعد إكماله السن النظامي وبلوغه الستين من العمر وهو التخصص الذي أفنى زهرة شبابه في التعامل معه والعمل فيه.

من يعرف الحاج فيصل عن قرب يدرك ان اصراره على الوصول الى أقصى نهايات مضمار السباق، أمر طبيعي جدا ومتوقع وغير مستغرب من شخصية تحمل كل هذا الطموح والتوثب .

الحاج فيصل لمن لا يعرفه شخص يعشق تخصصه ووظيفته ولا يكف ابدا عن متابعة كل جديد يتصل به من خلال المطالعة والبحث وحضور المؤتمرات والندوات العلمية التي تعقد في اي مكان في العالم .

يبهرك بدقته في طرح الافكار والتتبع والرصد والاستفادة من أي معلومة يظفر بها ولو كانت من شخص اقل منه علماً ومعرفة ويصغي بشغف الى محدثه دون استعلاء ورغبة في إبراز ذاته وتضخيمها .

ومع كل ما يتمتع به من رصيد علمي ومعرفي يبدو إنسانا بسيطا للغاية متواضعا ترابيا في تعامله مع زملائه ومعارفه، يزين ذلك تدين عميق والتزام اخلاقي وسلوكي يقل نظيره .

رافقته لسنوات كثيرة في رحلات الحج والعمرة ، فهو مغرم بأداء الحج والعمرة بشكل دائم بالرغم من معاناته الصحية التي حملها معه بسبب تشوه خَلقي في رجله، ومع ذلك تجده في مقدمة الحجاج يمشي دون كلل وملل وبلا سأم وتبرم !!

ومع تكرار ذهابه للحج يحرص على تحقيق أقصى فائدة من تواجده في هذا الموسم. العظيم فتجده دائما في طليعة الحضور في قاعات الصلاة والدروس والمحاضرات يصغي ويسأل ويحاور .

يستغرب البعض من سعي شخص ذرّف على الستين من عمره لمواصلة مشواره في طلب العلم، وكأن ذلك سلوك مناف للفطرة الإنسانية، فيما الأمر الطبيعي ان يستمر الانسان في طلب العلم من المهد الى اللحد كما ترشدنا التعاليم الدينية .

من يتذوق حلاوة طلب العلم وتحصيله لن يمل من السعي له مهما كانت الكُلفة كما ورد في روايات أهل البيت ” عليهم السلام” : أطلبوا العلم ولو بخوض اللجج وسفك المهج!!

قرأت قصة طريفة في كتاب الفطرة للشهيد الشيخ المطهري ” رضوان الله عليه” ان عالماً دخل على رجل يعوده في مرض الموت وصار الرجل المريض يسأله عن بعض المسائل ما أثار استغراب الحاضرين الذين انكروا اهتمامه بالسؤال وهو يشرف على الموت !! فاجأبهم هل الأفضل ان أموت وانا جاهل بهذه الأمور او عالم بها ؟؟

البعض يعتبر العلم والشهادة وسيلة للحصول على الوظيفة والمال وهذا يمثل فهماً خاطئا وخللاً في فهم حقيقية الانسان، فالعلم احد اهم كمالات النفس الانسانية وليس مجرد وسيلة للحصول على الرزق والتكسب.

الحاج فيصل شغوف بطلب العلم ليس لغرض الإفادة منه وظيفياً وإنما بهدف نفع الناس وإثراء حياتهم، وبحسب المفهوم القرآني فانه إنسان ” مبارك” كما ورد في معنى قوله تعالى ” وجعلني مباركاً أينما كنت ” يعني نفاعاً للناس في أي زمان ومكان تتواجد فيه .

جميل جداً أن يكون الإنسان مصدرا للبركة فينفع الناس بما يسْتَطيع، بل ان ذلك لوناً من ألوان التوفيق الإلهي الذي منّ به الله على أخينا وصديقنا الحاج فيصل .

أمنيته التي يطمح إليها ويتوق لتحقيقها “كما سمعته” هي إنشاء مركز علمي متخصص في القطيف يستقطب الشباب والمهتمين بالمجال البيئي ومجال الأرصاد، ويتأوه كثيرا لغياب الاهتمام بهذه المجالات المهمة في بلد متنوع البيئات كالمملكة، ويرى ذلك هدراً كبيراً للهبات الطبيعية والمنح الإهية التي حباها الله هذه البلدة الطيبة .

شغفه العلمي جعله يحرص على بذل المزيد من الجهد واتقان العمل الذي يقوم به وإثراء المواقع التي يتواجد فيها عالماً ومتعلماً، ترك بصمات واضحة اثناء عمله بالهيئة العامة للأرصاد وكذلك في الجامعات التي كان يدرس ويُدرِس فيها، كما سمعت ذلك منه في جلسات الحج ، حيث كان يُشارك في اللقاءات والندوات والمؤتمرات العلمين ويتردده على الجامعات العلمية في اكثر من بلد.

هذه الشخصية الفريدة من نوعها لا تحتاج الى مجرد حفل تكريم تقليدي ” وذلك اضعف الايمان ” الحاجة الأهم هو التعريف بها واحتضانها والإفادة من مخزونها العلمي والمعرفي في إثراء الحالة العلمية والمهنية التخصصية على مستوى المملكة بشكل عام، وعلى مستوى المحافظة ” القطيف” بشكل خاص.

الاستثمار في الكفاءات العلمية غائب او مغيب في مجتمعنا بالرغم من احتضان القطيف للعشرات وربما المئات من هذه الكفاءات العلمية والتخصصية بالاستفادة منها في اطلاق مشاريع للتدريب والتعليم والبحث العلمي وتطوير البيئة واستثمارها وهو ما يمثل السمة البارزة للمجتمعات الناهضة والمتطورة .

فهل نسمع قريبا عن انطلاق مبادرات من هذا النوع في مجتمعنا بدل استنزاف الطاقات في مشاريع ذات مردودات متواضعة وعديمة الأثر في مجالات رفد مسيرة التنمية الحقيقية .


error: المحتوي محمي