أنفاس غيظ ملتهبة

قال تعالى : { .. فلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ .. }{ الأعراف الآية ١٥٠} .

حالة من قصور الفهم لحقيقة الأحداث و الأرزاق ، و يشد من أزرها وجدان يمتليء بالمشاعر السلبية و الأحقاد المستحكمة في قلوب سوداء لا تعرب حب الخير للآخرين ، فيطرب و يهزه الفرح و السرور لما يصيب الناس من بؤس و شقاء و محن ، و أمام مصائب الغير – و التي تعتبر سنة إلهية و مفردة من وقائعهم اليومية – يظهر الشماتة و الاستهزاء بالغير ، بل و يصب جام حقده بالحديث الساخر و انتقاص الآخر و وسمه بقلة الفهم و الحظ العاثر.

الشماتة بالآخرين حين حلول المصائب بساحتهم مرض قلبي ، يشف عن تصحر عاطفي و قلة مروءة ، فيضمر السوء و النية الخبيثة و يظهر قناعا زائفا يزينه بابتسامة باهتة تختزل كل مشاعر الحقد و الحسد ، فلا يتمنى لمن يبغضهم – و ما أكثرهم – الهناء و راحة البال و لا سعة الرزق ، فعقدة النقص و الإخفاق عن تحقيق منجزات و أهداف في حياته ، يجعله يوجه نظرات الشرر الناضحة بالسوء و البغض لمن يراهم من حوله و هم يحتفلون بتحقيق آمالهم ، فلا ينفس عن مشاعر الغيظ الملتهبة إلا الفرح بوقوع أحدهم في مشكلة أو مصيبة لا يعرف الخلاص منها.

الحقيقة هي أن الشماتة تنبيء عن جهل و حماقة صاحبها ، و ذلك أن السنة الإلهية الجارية على عباده بلا استثناء ، هي الابتلاء بشتى أنواع المصاعب و الشدائد في بدنه و ماله و مكانته و ذريته ، فمن طال أمله و ارتكن إلى ديمومة الحال الميسور دون تخلل مواطن بلاء تعتصر فؤاده فهو واهم ، فالحياة الدنيوية هي دار اختبار للعباد ليميز منهم الطيب من غيره ، و هذه أحوال الناس على مدى التاريخ البشري شاهدة على ذلك ، فهناك من استنزله الباري من معاقد سلطنته و عرى ثوب كبريائه ، و أعز سبحانه من لم يدر في مخيلته أن ينتقل من سوء الحال إلى أفضله ، فمن شمت بغيره لمصيبة أو أزمة يعاني من وطأتها ، فليعلم بأن للأيام دورتها و لعله يصاب بما هو أشد من ذلك ، و إذا كان لا يملك قدرة على مواجهة الصعاب فقد تكون لغيره من قوة التحمل و الصبر ما يقف به على أرض الثبات ، فيتجاوز محنته بكل اقتدار.

و لا مخلص من هذه الصفة القبيحة كمثل تصور نفسه مكان هذا الشخص المبتلى ، فهل يتحمل ضحكة أو سخرية من أحد تهزأ بسوء حاله و الشدة التي يمر بها ؟
بل الواجب الذي تمليه القيم الدينية و الإنسانية القائمة على الفطرة السليمة هو الوقوف بجانب الممتحن و تنفيس همه و كربه و إعادة الهدوء و الاتزان لوجدانه ، بعد مروره بحالة من الاضطراب النفسي الذي يعصف به ، فإن الدنيا دار مداينة يعود على الإنسان مستقبلا نتائج معروفه أو شماتته.

و رؤية أو سماع خطأ الغير أو معايبه يجب أن يلقي عليها ثوب الستر ، و لا يفتح لها دكان الغيبة و إذاعة ما يشوه سمعته ، فذاك مردود له في يوم يكون فيه بأمس الحاجة لمن يستر عورته و لايفضحه أمام الناس.


error: المحتوي محمي